الله! فحمس هذا النداء المتراجعين وكروا على الأعداء ملتفين حول خالد فتقاتل الفريقان بالسيوف، فترجل خالد عن ظهر جواده وحارب راجلاً، ولما رأى أصحابه أن الخطر محدق به التمسوا منه أن يترك خط القتال ويقف في الوراء ويقود الجيش إلا أنه امتنع عن ذلك. وفي رواية أخرى للكلبي أن المسلمين لما تراجعوا أتى رجل من طيء خالداً وكلفه بالاعتصام بجبلي سلمى وأجأ، إلا أن خالداً رد طلبه قائلاً إنه يعتصم بالله.
وبقي طليحة في القلب إلى قتل فتيانه جميعاً فانسحب إلى الوراء والتف بكسائه يتحين الفرص. ولما ضاقت الدنيا بعيينة بن حصن سأل طليحة هل جاء الوحي وهذا يقول له لا فيرجع يقاتل، وفي الكرة الثالثة قال طليحة لعيينة إن الوحي يقول له:(إن لك رحى كرحاه وحديثاً لا تنساه) فتأكد عيينة أن الدائرة تدور عليه، فنادى يا بني فزارة انصرفوا فهذا والله كذاب. فانصرفوا وانهزم الناس.
أما طليحة فأعد فرسه وهيأ بعيراً لامرأته فوثب على فرسه وحمل امرأته ثم نجا بها، ولما سأله قومه ماذا يأمر، قال (من استطاع منكم أن يفعل مثل ما فعلت وينجو بأهله فليفعل).
ووقع عيينة أسيراً بيد خالد فكبله بالحديد وأرسله مخفوراً إلى المدينة.
وكان المرتدون تركوا عيالهم خلفهم في محل أمين لكي لا يسبيهم المسلمون، لأن العرف كان يقضي في ذلك الزمان بسبي النساء واتخاذهن إماء، ولم تنته المعركة حتى عاد الكثير من بني أسد وفزارة إلى خالد وجددوا إسلامهم خشية على الذراري.
واغتنم المسلمون غنائم كثيرة في معسكر الأعداء من جمال وحمير وسلاح وغير ذلك. لم يكتف خالد بهذه الغنائم بل أوفد السرايا إلى جهات مختلفة لمطاردة المنهزمين والتقت لهم في جبل رمان في جنوب جبل سلمى وفي الأبانين على جانبي وادي الرمة وهما رابيتا أبان الأسود في شمالي الوادي وأبان الأبيض في جنوبه وأسرت كثيرين منهم وصادرت خيلهم وسلاحهم.
ولما نشب القتال بين المسلمين والمتردين في بزاخة كان بنو عامر بن صعصعة على الحدود يراقبون مجرى القتال وينتظرون العاقبة.
وبعد أن انتهى خالد من أمر بني أسد وفزارة عرج على حي طيء ومكث بين أكناف سلمى وأجأ، ولعله أراد بذلك أن يقرب من حي بني عامر وينهي أمرهم. هذه القبائل كانت في