للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإحساس المخيف والشعور بالخطر قد ولدا لها سحراً غريباً من كلمات الحب - كلمات كانت لا تزال لغزاً يعذب روحها. وكنا - أنا والريح - لا زلنا موضع شكها. . فقد كانت تجهل من منا الذي يغازلها. بيد أنه كان يبدو الآن أنها لم تعد تأبه بذلك أو تهتم. فشارب الخمر لا يعبأ من أي دن يستسقى ما دام أن ما يحتسيه يثمله.

ولقد حدث ظهر يوم أن ذهبت وحيداً إلى أرض الانزلاق واختلطت بالموجودين، فشاهدت نادنكا تصعد الهضبة وتنظر باحثة عني. . وكان يبدو عليها الخوف من الذهاب وحدها - أوه أي خوف! لقد كانت ناصعة البياض كالثلج، ترتجف وكأنها في طريقها إلى المقصلة. بيد أنها واصلت التسلق في عزم دون أن تلتفت خلفها. وكان من الجلي أنها صممت أن تتبين وحدها فيما إذا كانت ستستمع إلى تلك الكلمات العجيبة في أثناء غيابي.

وشاهدتها شاحبة الوجه منفرجة الشفتين، تمتطي الزاحفة وتغمض عينيها، ثم تندفع بها وكأنها تودع الأرض إلى الأبد.

ولست أدري هل سمعت نادنكا تلك الكلمات. كل ما أدريه أني شاهدتها تنهض من الزاحفة وقد بدت متخاذلة منهوكة. ولم يبد علي محياها ما ينبئ: أكانت قد سمعت شيئاً أو لم تسمع. فقد كان خوفها وهي تنحدر قد جردها من حاسة السمع أو تمييز الأصوات. فلم تؤد بها محاولتها الجبارة إلى حل ذلك اللغز اللطيف. . ولم تحاول مرة أخرى.

ثم أقبل شهر مارس. . . وكانت أشعة شمس الربيع أكثر حناناً وشفقة. . وتحولت هضبتنا الثلجية إلى لون قاتم، وفقدت بهاءها، وأخيراً ذاب الثلج وهجرنا الانزلاق: ولم يعد هناك ثمة موضع تستطيع فيه المسكينة نادنكا أن تستمع إلى تلك الكلمات وفي الحق، لا يوجد هناك من يتفوه بها الآن، فالريح قد ولت، وكنت أن الآخر على أهبة الرحيل قاصداً بطرسبرج لأقيم فيه مدة طويلة بل لعلها تكون إقامة مستمرة.

وحدث قبل رحيلي بيومين أن كنت جالساً يغمرني الظلام في الحديقة الصغيرة التي يفصل بينها وبين فناء نادنكا حاجز مرتفع. . . كان الجو لا يزال بارداً، ولم يعتد هناك جليد. وبدت الأشجار وكأنما قد فارقتها الحياة. بيد أن رائحة الربيع كانت تضوع في كل مكان، والغربان تنعب في صوت جهوري أثناء استقرارها في عشها. وذهبت إلى الحاجز، ووقفت مدة طويلة أتبصص خلال فرجة بالحاجز. وفجأة شعرت بالوحشة تنتابني. وبدافع يدفعني

<<  <  ج:
ص:  >  >>