السخرية التي تؤثر الهدم بالقول الجارح وتفعل بالظهور ما لا تفعل السياط. . هو ساخر في حياته وساخر في فنه، وبهذه السخرية النادرة نظر إلى الحياة والفن من زواياه الخاصة، وسلط عليهما أضواءه الخاصة، واختلف مع كل المصورين في لقطاته البصرية والنفسية!
ولم تكن سخرية (شو) هي سخرية العاجز حين يشكو النقص فيتندر على القادرين، ولكنها سخرية المشرف على الدنيا من فوق قمة عالية، تريه الأشياء صغيرة مسرفة في الصغر ضئيلة مغرقة في الضآلة. ومن هنا امتزجت السخرية في دمه بالكبرياء، سخرية العقل بكبرياء النفس، ثم انصهر هذا المزيج العجيب في بودقة الحياة فنشأت عنه هذه النزعة الإنسانية التي تتسم بالعطف على الشعوب الفقيرة والمحتلة على حد سواء. . إنها نبضات القلب الكبير، القلب الذي تقلب يوماً على أشواك الفقر فقاد خطوات صاحبه إلى طريق الاشتراكية، وناء يوماً بثقل القيد فوجه قلم صاحبه إلى مهاجمة الاستعمار!
ومن مظاهر الكبرياء في حياة (شو) أن يهاجم التقاليد الإنجليزية في كل مناسبة تدعوه إلى الهجوم، ويسخر من المثل الإنجليزية في كل فرصة تهيئ له أسباب السخرية، في الوقت الذي كانت أيرلندة وطنه الأول تئن تحت ضغط الاستعمار البريطاني. . ثم لا يقف بكبريائه عند هذا الحد المقبول ولكنه يندفع بها إلى ما وراء المعقول، فيمتدح الشيوعية الروسية وينعت قطبها الأكبر ستالين. . بأنه خير الناس! ترى هل كان (شو) يؤمن بهذا الذي جهر به، أم أن سخطه على الرأسمالية عامة وعلى الشعب البريطاني خاصة هو الذي كان ينطقه بغير ما يعتقد ويظهره بغير ما يريد؟ الحق أنه للسخط من جهة والإيمان بالرأي من جهة أخرى).
على هذه الفقرات الأخيرة تركزت أسئلة الأديب الفاضل محمد محمد عبد الرحمن في العدد الماضي من الرسالة. وإذا كنا قد عمدنا إلى الاستشهاد بما سبقها من فقرات، فلأننا سنعود إليها في معرض الجواب حين نرفع القناع عن أهدافه ومراميه. إن الأديب الفاضل يسألنا وهو يطلب المزيد من الوضوح. (ترى هل كل شو يا سيدي ساخطاً حقاً على الرأسمالية، غير مؤمن باستحواذ المال؟ إن الأستاذ العقاد يؤكد لنا في كتابه الصغير عن برناردشو، أنه كان مؤمناً برسالة المال في حياة الآحاد وحياة الجماعات، وأنه لا يكتم هواء للمال وحبه للاستزادة منه ما استطاع ثم يحدثنا العقاد عما كان يجذب شو نحو الاشتراكية فيقول: كان