بجانب ذلك البناء الواهن والإحالة القبيحة والعمل المرتبك والتاريخ المشوه، فضلاً عن أنه أحل الطباق والمقابلة محل النظر والملاحظة، وملأ المسرح بالأنماط الغريبة من الناس كقاطع الطريق الشهم (هرناني)، والخادم الوزير (روي بلاس)؛ ولم يجد في طبقة السراة إلا أنماطاً ممقوتين أو مجرمين، أما الطبقة السفلى فهي عنده مستودع العواطف الكريمة والأخلاق القويمة. ثم إن الدرامة الابتداعية خلت خلو الميلودراما من دروس العواطف وتحليل الأخلاق، وتعدت حدود المنطق في سير العمل، وسترت كل ذلك بسيل من الحوادث الخارقة، والمسائل المعقدة، والمفاجآت المدهشة، وما يتخلل ذلك من المبارزة والقتل والتسميم والخطف والتعرف. لذلك لم يصطبر الناس على هذه الدرامة طويلاً فملوها وأغفلوها، وحلت محلها في المسارح والقلوب في أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر الملهاة الاجتماعية، أو الملهاة الحديثة، أو الملهاة المبكية، أو الدرامة الواقعية. وهي في الحقيقة طور من أطوار الدرامة التي بدأها (ديدرو) ورفع سَمْكها اسكندر دوماس الصغير، وأميل أوجييه وفيكتوريان سادرو. تستمد من الدرامة التاريخية عناصر الجد، ومن ملهاة (اسكريب) فن التعقيد، ومن قصة بلزاك درس العادات وتحليل الأخلاق، وتدور موضوعاتها على بحث المسائل المتعلقة بالمال والأسرة، وما ينجم من صراع الطبقات، وصدام الجماعات؛ وتعني على الأخص بوصف العادات والسعي في تهذيبها وإصلاحها. وكان لاسكندر دوماس الفضل في تطبيق المذهب الواقعي على هذه الملهاة أو الدرامة بتأليفه ذات الكاميليا وهي درامة جريئة الفكرة، طريفة البحث، جديدة الشكل، أحدثت في المسرح انقلاباً خطيراً كان له أثره ونتيجته حتى اليوم. لأن المؤلف كان أول من زين المسرح بالأثاث الجديد وأظهر الأشخاص في اللباس العصري، ومثل البيئة الحاضرة في شكلها الحقيقي، فهو خلق الملهاة الحديثة كما خلق من قبلها الملهاة العلمية وهي مبنية على نظرية سماها المسرح النافع ملخصها أن الكاتب المسرحي يجب أن يبادر إلى حل المشاكل الاجتماعية على المسرح وإلا كان مضحكاً مهرجاً. يجب أن يعرض على الناس ما يشغلهم من مشاكل الأسرة، ويثقلهم من أحوال المجتمع، ثم يناقش هذه المسائل، ويحل هذه المشاكل بتغليب الخير على الشر، وإقرار الحب في النفوس مقر المال.
وظل المسرح اليوم في فرنسا جارياً على سننه المشروع في منتصف القرن التاسع عشر