للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معتدلة. ولما قطع مسافة ميل أو أكثر حفر في الأرض حفرة وملأها عشباً. ثم أخذت خطاه تتسع كلما ارتفعت الشمس في قبة السماء. واشتد القيظ فخلع مئزره ونظر إلى الشمس فرأى أن النهار ما زال في أوله فأنطلق إلى الأمام لا يحيد يمنة ولا يسرة وهو يردد في نفسه: - كلما أمعنت في السير زاد نصيبي من الأرض. . . ونظر باهوم بعد فترة خلفه فرأى القوم صغاراً كالنمل فقدر أنه قد آن له أن ينحرف عن خط سيره. وكان العطش قد أخذ منه فشرب قليلاً وتابع سيره حتى أحس بالتعب والجوع فنظر إلى الشمس فرأى أن النهار قد انتصف، فجلس قليلاً وأكل. ثم مضى في طريقه الدائري مسافة أخرى طويلة، وكان على وشك الانحراف إلى اليسار مرة أخرى عندما شاهد بقعة أرض كثيرة الخصب فلم يشأ أن يخسرها فدار حولها وحفر عند طرفها حفرة لتدخل في حوزته. . . ثم نظر إلى الشمس فرآها تجري إلى المغيب. . . فكبح جماح طمعه وأدار وجهه إلى ناحية الربوة وسار في اتجاهها مكملاً دورته. ولكن التعب كان قد نال منه وشق عليه المسير. . . كان يتوق إلى قليل من الراحة ولكنه لم يجرؤ على الجلوس فراح يجر رجليه جراً وهو يحدث نفسه - لقد أوغلت في السير حتى بعدت الشقة. . . يا ليتني لم أطمع بالكثير واكتفيت باليسير. . . فها هي الشمس على وشك المغيب. . . فما العمل الآن ومازال أمامي شوط بعيد. . . وهالته الحقيقة وخشي أن يفقد النقود والأرض معاً فجمع قواه وطفق يجري والعرق يتصبب منه الدم يسيل من قدميه. فخلع حذاءه وملابسه قطعة قطعة ولم يترك سوى قطعة تستر عورته. واقتربت الشمس من خط الأفق وتحطمت نفس باهوم حسرة وندماً وتأكدت له خسارته. . . فراح يعدو من جديد وقد تقطعت أنفاسه وتداركت دقات قلبه حتى خشي أن يموت قبل أن يصل إلى الربوة. إلا أن فكرة الموت لم تقعده عن السير فواصل الزحف حتى ترامت إلى أذنيه أصوات القوم ونداءاتهم يستحثونه على الجد فجمع قواه وتابع سيره. وكانت الشمس قد لمست خط الأفق، وكان هو قد قارب هدفه. . . هاهو يرى القوم يلوحون له بأيديهم؛ بل وهاهي قبعة الرئيس التي وضع فيها نقوده، وإلى جانبها يجلس الرئيس ممسكاً جنبيه من فرط الضحك. وفجأة تذكر باهوم حلم الليلة السابقة ولكنه قال - لقد أصبحت أملك رقعة كبيرة من الأرض، فهل يمد الله في أجلي لأتمتع بثمرة تعبي. .؟ وتطلع إلى الشمس فرآها تختفي وراء الأفق. . . فقال. . . آه لقد ضاع أملي

<<  <  ج:
ص:  >  >>