روحية. والفرد لا يتلمس معنا لهذه الرموز بقدر ما يطلب فيها ملاذاً مما استعصى عليه من الأزمات الروحية والاجتماعية.
فليست العبر إذن في طبيعة الرمز المقدس؛ إنما العبرة في المثل والقيم والمعاني التي اصطلح الناس على إلحاقها به.
وبمثل هذا المنطق يشرح ديركهايم علاقة طقوس الدينية بالحقائق الاجتماعية، فلا يهمه أن يتعرف على طبيعة هذه الطقوس وإنما يتشوق إلى أدراك القيم والمثل والمعاني العميقة التي تمثلها وترمز لها.
وإصرار الطبيعيين على نعت السلوك الديني بأنه خال من المنطق السديد يعود إلى التباس الأمر عليهم وخلطهم بين طبيعة الرمز وبين ما يرمز إليه من قيم ومثل ومعاني روحية واجتماعية.
ويستخلص ديركهايم من ذلك أن العلوم الطبيعية لا تستطيع أن تدرك كنه الدين في مجالاته الروحية والاجتماعية؛ لأن العلوم الطبيعية مادية لا تقنع إلا بالملموس والمحسوس. وفي نظام الكون وفي طبيعة النفس البشرية احساسات ومشاعر لا تلمس لمساً.
وهذا يفسر اتجاه الجهابذة من علماء الطبيعة والرياضيات نحو التفاسير الدينية في أرقى مراحل البحث في طبيعة الأشياء عندما يستعصي عليهم التفسير الشامل الإيجابي المقنع.