هذا الألف الطويل من السنيين، وهي الجامعة التي أرسى قواعدها المعز لدين الله مؤسس الدولة الإسلامية التي انتسبت إلى فاطمة الزهراء بنت الرسول عليه السلام، فأزدها التاريخ بهذين الاسمين الخالدين (الدولة الفاطمية) و (الجامع الأزهر).
ولا يستطيع أحد أن ينكر المرأة كعنصر قوي في تاريخ الإسلام، فقد كانت خديجة أول حواء آمنت بمحمد. وهي أم البتول فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وحولهما تألقت صفحات السيرة بالنجوم لزاهرة من أمهات المؤمنين، والصالحات من أزواجهم وبناتهم وأخواتهم. ولن ينسى التاريخ عائشة بنت الصديق، أو أختها أسماء ذات النطاقين، أو صفية عمة رسول الله، أو أم عمارة التي دافعت عن النبي بترسها، ورمت عنه بسهمها، أو زنيرة التي عميت في سبيل الله، أو سمية أم عمار بن ياسر التي لقيت الأذى الشديد بسبب عقيدتها، أو الخنساء الشاعرة التي كان يقول لها النبي: هيه يا خناس، أو رابعة العدوية التي عشقت ربها عشقاً روحانياً خالصاً.
وما كانت صفحة من كتب السيرة لتخلو من ذكر هذه الصفوة من المسلمات اللائى تعلمن أمور الدين في عهد النبي، إذ كانت تجيئه المرأة تسأل فيجيب، أو تأتيه وافدة النساء تتعلم منه وتعلم غيره، بل لقد كانت المرأة منهم تنكر قومها، بل أباها وأمها وتلحق بدين محمد؛ فهذه جميلة تزوج من حنظلة مع أنها بنت رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلوا، وهذه أم حبيبة تتزوج النبي وتمنع أباها أبا سفيان من الجلوس على فراش النبي، وهذه صفية تنكر أباها اليهودي وتتزوج النبي، وكذلك مارية وأختها سيرين وقد أهداهما المقوقس للنبي فيتزوج الأولى ويهدي الأخرى لشاعره حسان بن ثابت، كما قامت النساء الأنصاريات بنصيبهن الكامل في مراحل الدعوة؛ فقد
استقبلن النبي بالمدينة - منذ هاجر إليها - بالدفوف والمعازف، ويغنين:
نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار
وهو - عليه السلام - يداعبهن في ظرف ويقول: أتحبينني؟ فيقلن: نعم. فيقول: والله يعلم أن قلبي يحبكن، وكن مع ذلك كله يندفعن إلى الغزوات كلما تجهزت العير، وأصطف النفير.
وضربت المرأة العربية أروع الأمثلة من الثبات بفضل استمساكها برسالة الإسلام. فهذه