كوراث السماء. وقد تميز هذا الكاتب بالخيال الخصب، والقريحة المتقدة، والتنوع البديع، والقدرة المعجزة على تصوير الأخلاق، ولا سيما أخلاق النساء. وكان همه أن يعرض الحوادث دون أن يشرح أسبابها، ويمثل الحياة الحقيقية دون أن يطرز أثوابها. ثم يليه في النبوغ والأثر (كالدرون دي لاباركا)(١٦٠٠ - ١٦٨٠) وقد بقي من دراماته اثنتان وسبعون درامة أشهرها (الحياة حلم) و (كرامة المولى). وأما في إنجلترا فقد ولد مسرحها في الكنيسة أثناء العصور الوسيطة كما كان الأمر في فرنسا وأسبانيا، وكذلك لم يقو تقليد الكتاب والشعراء لآداب المهمة على الحيلولة بين الدرامة الحديثة وبين الانتشار والتقدم. ففي القرن السادس عشر جاء (مارلو) فهز النفوس وحرك المشاعر بمآسيه (أدوار الثاني) و (يهودي مالطة) و (موت الدكتور فوست وحياته). ولكن شكسبير ظهر فأخفت ذكره ووضع قدره. وكان القدماء من أرباب المذهب الاتباعي يذكرون شكسبير بالسوء، ويتناولونه بالنقد حتى لقبه فولتير:(بالمتوحش السكران). أما أرباب المذهب الابتداعي فيرونه مثال الفن الروائي، ورسول الشعر التمثيلي. وقد سردنا لك فيما سبق طائفة من مآسيه في بعضها ما يشبه الدرامة، ولكن دراماته الحقيقية هي: صاع بصاع، تاجر البندقية؛ وقطعه المقتبسة من تاريخ إنجلترا، كالملك حنا، وريشارد الثاني، وهنري الرابع، وهنري الخامس، وريشارد الثالث، ودرامات شكسبيرعلى الجملة ضعيفة البناء، بعيدة الأمكان، متكلفة الأسلوب. وقد أراد أن يمثل فيها مناحي الإنسانية كلها، فجمع بين العظيم الرفيع والعامي الخليع والمضحك الماجن، وجعل العواطف الرقيقة الوادعة بجانب الأهواء العنيفة الفاجعة، ولم يقنع بتمثيل الحوادث مجردة، بل حرص على أن يصور الأهواء والعواطف التي صدرت عنها وتولدت منها.
وأما في ألمانيا فليسنج (١٧٢٩ - ١٧٨١) هو خالق مسرحها القومي: وقف بين مواطنيه وبين المأساة القديمة، فحال بينهم وبين تقليدها، ودعا الناس قبل الابتداعيين إلى الأخذ عن شكسبير، والى وضع الأساس لبناء المأساة العصرية. وأشهر مآسيه (منا دبر نهلم) و (ناتان الحكيم) و (أمليا جالوثي). أما جيته فقد جمع بين الذهن القديم والعبقرية الحديثة، وقد ظهر ذلك جلياً في دراماته، وأشهرها (جوتْر دِيرْ ليشِنْجِنْ) و (تركاتو تاسو) و (إِجْمُنْت) و (فوست). فأما (جوتر) فهي صورة قوية - وإن تكن غير جلية - لألمانيا في أواخر