ومن قائل إن هذه الحادثة وقعت بحلب، ودليله على ذلك العادة المتبعة حتى الآن من فزعهم ولجوئهم إلى العراء حتى اليوم يستغيثون ويستمطرون الرحمة كلما ضنت عليهم السحب بالغيث فيجأرون بهذه الأدعية والموشحات. وإلى هذا فمصر فيها خزانات لارتواء تربتها يفزع إليها كلما ضن النيل وبخلت السحب بالأمطار.
ومن قائل بأن هذه المخلفات الفنية من وضع الصوفيين تهدف بمعناها ومبناها وموسيقاها إلى نزعة غزلية صوفية يقصد بها الإشارة والمديح للذات القدسية العلية والتغزل بها والتغني بمحامدها ومفاتنها على سبيل التعبد، وأنها تتلى بالأفكار وحلقات التكايا والزوايا لهذه الغاية.
وهي موشحات كما ترى لا تتنافى مع مبادئ الدين الحنيف في شئ، وقد سبق لأبن الفارض والسيد الجيلاني وأبن العربي وعبد الغني النابلسي أقوال كثيرة في هذا المعنى من الغزل الصوفي ولذا نراها تستعمل في بلادنا في كل حفل ديني يؤتي فيه على ذكر الله الملك الديان، ويغلب على هذه الموشحات النغمة الحجازية وقد يدوم إنشادها في الأذكار والحفلات زهاء أربعة ساعات دون انقطاعيتخللها نغمة العراق والعجم في بعض الأحيان، إلا أن نغمة الحجاز هي الغالبية على جميع الأنغام في هذه الآثار.
والعادة المتبعة عند الحلبيين أن يهيئوا لها أحسن العازفين والمنشدين فتبدأ الأنغام في بادئ الأمر ببطيء متزايد وصوت غليظ ثم يأخذ هذا الصوت في الجدة والشدة والدقة حتى تعلو الأصوات وتدق، ويشتد العزف ويخف بحسب المعنى إلى أن يغدو السامع كأنه بنشوة الطرب، وعندما تكون الحلقات معقودة وتأخذ رجالها النشوة تنزلق أرجلهم وأيديهم وصدورهم إلى البدء في رقص السماح الذي تحدثت عنه الرسالة سابقاً وينقلب هذا الفاصل من الموسيقى إلى فاصل إنشاد رقص وطرب فتسمع وترى عندئذ من القائمين على شؤونه العجب العجاب، وعندما يشعر أبطال هذه الحلقات بتعب أو ضنى ينسل من الحلقة منتحياً ناحية في المكان، فإذا ما شعر غيره بتعب صنع صنيعه وهكذا يظل أبطال الحلقات