يتسللون لواذاً الواحد تلو الآخر ويكون ذلك بعد مضي أربع ساعات على لتحقيق إلى أن تنقطع الحلقة وينفض المتحلقون من حولها وينتهي هذا لفاصل الغنائي الرائع الأخاذ.
أذاعت جزءاً من هذا الفاصل محطة حلب الإضافية منذ أمد بإشراف الأستاذين الشيخ عمر البطش الذي فقدته سوريا بالأمس وفقدت بفقده كنزاً ثميناً من الكنوز الفنية التي لا تعوض، وبإشراف الموسيقار توفيق الصباغ. وما كاد يمضي مدة على إذاعة مختارات من هذا الفاصل الأثرى الخالد حتى بادرة إدارة محطة الشرق الأدنى إلى الشخوص لحلب فتعاقدت مع أرباب هذه الصناعة من المذيعين وأخذت تسجيلاً خاصاً عنه. ولا ريب أن محطة دمشق ومصر والعراق وبقية محطات المدن العربية كانت أولى بحفظ هذه المخلفات الأثرية من محطة الشرق الأدنى قبل أن يمضي عميدها المرحوم الشيخ البطش، ولكنا نحن معشر الشرقيين نستهين بتراثنا الفني ونهمل رجالاته فإذا ما فقدناهم ندبنا حظنا وذرفنا الدموع سخينة على أفتقادهم، وإني ختاماً لهذا البحث الفني أراني ملزماً بذكر بعض مقطوعات مما ورد فيه تتمة للفائدة وتعميمها للنفع عسى أن يجد أبناء الفن الباحثون المتلذذون منهم والمتكسبون فيه ما تصبو إليه نفوسهم ويشفى غليلهم.
فالسادة أصحاب الطرق يذهبون في هذه الموشحات مذاهب شتى، فمنهم من يجعل الحبيب الذي يتغزل به غزالاً، ومنهم من يجعله إنساناً ذكراً أو أنثى؛ ولا يعلم إلا الله خفايا أسرارهم فيتغزلون بدعد وهند وليلى وسلمى وإلى ما هنالك من أسماء الأنثى، ومنهم من يتغزل بالذكر ويجعل المحبوب رسولاً أو ولياً من الأولياء فهم بهذه الحالة يظهرون ما لا يبطنون. ومن أقوالهم في ذلك:
يا غزالي كيف عني أبعدوك ... شتتوا شملي وهجري عودوك
يا غزالاً بالبهاء ما أجملك ... يا ترى في قتلتي من حالك
كنت لا أعشق خلاً من خلاك ... حملوك الهجر حتى واصلوك
قلت رفقاً يا حبيبي قال لا ... قلت راع الود يا ريم الفلا
قل من يهوي فلا يشكو الفلى ... قلت حسبي مدمعي قال سفوك
قلت مولى قال ذا شيء بعيد ... قلت عبداً قال لا أرضى عبيد