الواسعة. والمسلمون أقلية صغيرة ضئيلة كما كانوا أقلية بمكة.
ولكن أمير المؤمنين عمر والعرب معه لم يتخذوا هذا التاريخ اعتباطاً ولا حدوده تحكماً؛ بل رأوه تاريخ تكوين حكومة خضعت لها البلاد العربية وشملها سلطانها ونظامها، وقضت على حالة من الفوضى تنتهب فيها الأموال والأنفس. والضعيف نهب القوي.
ولم يتخذ تاريخاً حتى كان سلطان تلك الحكومة وطيداً شاملاً وأمنها مظلاً ورافاً.
وكان تكوين الحكومة عقب تلك الرحلة القاسية السعيدة الفاصلة وهي الهجرة فسمى التاريخ بالهجرة.
فهذه نهاية العصر الجاهلي قرنت بالهجرة وبتكوين الحكومة الإسلامية.
فما مبدأ هذا العصر؟ يحضر المؤرخون به إلى أول الخليقة ويجعلونه شاملاً لكل ما كان قبل الإسلام وهم بهذا يقررون أن العرب أو عرب الشمال على الأخص قد جاءهم الإسلام وهم على الفطرة وفي حالة بداءة لم يتصلوا قبلها بحضارة.
ونحن مضطرون هنا أن نشير إلى نوعين من الجاهلية: جاهلية الفطرة وتكون الأمة فيها بدائية متبربرة خشنة العيش لم ترث آثار مدينة سابقة. وجاهلية فترة وهي حال أمة كانت لها حضارة فقدتها بسلطان من طبيعة أو أحداث السياسة وتدهورت في حياتها درجات وبقى مستكناً فيها آثار ما تمتعت به من حضارة.
وإذا كان مسلك المؤرخين يفيد أن جاهلية العرب هذه كانت جاهلية فطرية فإن كل شيء في التاريخ وفي حيات العرب يشهد أنها كانت جاهلية فترة، جاهلية موقوتة تحمل آثاراً قوية من حضارة أو حضارات سابقة.
لغتهم وبيانهم لم تكن لغة أمة بدائية ولا قريبة من البدائية، وعملهم هو التجارة - والتجارة الخارجية خاصة - بعيد اشد البعد من أن يكون عمل أمة بدائية؛ وحكمهم للبلاد يوم فتحوها وسياستهم أهلها لا يمكن أن يتهيأ لمة فطرية.
حتى رذائل الجاهلية فيها ما يشهد ببعدها عن الحيات البدائية - هذا الربى الذي شدد الإسلام في النهي عنه والذي عني به الرسول في خطبة الوداع ووضعه عن الناس يشهد تعدد أنواعه والتشدد في تحريمه بتغلغله في الحيات الجاهلية - وما كان تقويم المال وتقديره وأرباحه عملاً من أعمال الأمم الفطرية.