للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذه حقائق تمليها الطبيعة وتنطق بها الآثار ولكن روايات الأخبار التي بأيدينا تغطي هذا أو تطمسه لأن روايتها دونت بعد صدر من الإسلام وعمل في تدوينها العرب وغير العرب.

أما العرب فقد كان لدى أغلبهم أن الإسلام لا يظهر فضله حتى تكبر سيئات الجاهلية وحتى لا يكون في الجاهلية إلا شر قلبه الإسلام خيراً.

والإسلام رسالة ووحي ولكن الذين استجابوا له وقاموا به رجال ربتهم الجاهلية. لا بد أن تكون مواهبهم وتجاربهم قد أعدتهم لقبوله أو النهوض به والله أعلم حيث يجعل رسالته.

وأما غير العرب فقد حز في قلوبهم ضياع أممهم ودينهم ودولهم ولم يستطيعوا عيب العرب إلا أن ينالوا من جاهليتهم. وجهاد الشعوبية في هذا كبير ووسائله شتى ظاهرة وما كرة.

فلا ينكر متبصر أن الجزيرة العربية شهدت قبل الإسلام حضارات ذات شأن. وعلى هذا الأصل نحاول أن نحدد أول الجاهلية العربية قبل الإسلام وسبيل ذلك أن نعرف آخر حضارات قامت بالجزيرة ونحدد نهايتها فتكون بدء هذا العصر الجاهلي.

فإذا اقتصرنا على العصر التاريخي وعلى ما كشف من آثار حضارته ذكرنا حضارة الأنباط وقد كانت في شمال الجزيرة وامتدت من العراق إلى مصر ووصلنا في الجنوب إلى وادي القرى وورثت حضارة ثمود وأبقت آثاراً خالدة وصمدت للروم في حروب شديدة مريرة - ثم حان حينها فانقضى أمرها على يد (تراجان) سنة ١٠٦ من الميلاد وورثت مكانتها تدمر ووسع سلطنها الشام ومصر وما بين النهرين والأناضول إلى أنقرة، وجاء يومها؛ فانقضى ملكها سنة ٢٧١ على يد أرليان الروماني أيضاً.

وكانت الحروب الطويلة القاسية بين الروم والفرس سبب انقطاع التجارة بينهما، وكان لا بد للتجارة أن تشق لها مجرى إذا سد مجرى فاتخذت سبيلها في مفاوز البلاد العربية البعيدة عن سلطان الدولتين، وكان الروم اشد حسرة لانصراف التجارة إلى أيدي العرب ولا بد لها من هذه التجارة ولا بد للغرب أن ينال موارده وقوته من هذه البلاد المشمسة الممطرة الغزيرة الإنتاج فكان من عناصر سياسة الرمل وتصميمهم أن يصلوا إلى كنوز الهند وأن تكون تجارتها خالصة لسلطانهم.

ولهذا تجشموا الأهوال في القضاء على بطرة وعلى تدمر وحاولوا القضاء على دولة اليمن أيضاً، وأرسل أغسطس حملته المشهورة بقيادة قائده العظيم الياس جلاس فهلك في

<<  <  ج:
ص:  >  >>