الروحية والمادية والاجتماعية، الأمر الذي دفع إلى الطليعة أهمية علم الاجتماع الديني في التفكير والسلوك الإنساني. وهذا الاتجاه يزداد أهمية وضرورة بازدياد الصراع بين المذاهب السياسية والاقتصادية المعاصرة التي جرت على المجتمع الإنساني ويلات الحروب وشر التفكك الاجتماعي ومرارة البلبلة الفكرية والنفسانية التي يعانيها المثقفون في هذا العالم بما فيه الشرق العربي.
وثمة مزية أخرى في مكانة الدين والدور الذي يؤديه في السلوك الإنساني، وأعني به (النظام) وما ينطوي عليه من استقرار روحي وفكري ومادي. وما تضار النظم السياسية والاقتصادية المعاصرة شيوعية كانت أو رأسمالية أو فاشية إلا لاختلافها عن أوجه التنظيم وأسس المبادئ والوسائل التي تحقق النظام والاستقرار.
فالنظم الديكتاتورية ـ وهي وليدة استياء المصلحين من بطء النحو التقدمي للمجتمع وضعف الأداة لتحقيق النظام ومن ثم الإصلاح والتقدم والرفاهية ـ فاشلة في محاولتها هذه كما أثبت ذلك التاريخ الحديث والقديم لأنها وهي وليدة السلوك الفردي تحاول أن تكون تعبيراً للسلوك الجماعي. وشتان بين السلوكيين كما أخبرنا دير كهايم.
والديمقراطية في نظامها الحالي تدعي باطلاً أنها تعبير عن سلوك الجماعة ورغباتها لأنها حملت نفسها فوق ما تستطيع والدولة في نظم الديمقراطية المعاصرة قد فصلت نفسها عن الحياة الدينية. ومع أنها (أي الدولة) لم تقاوم السلوك الديني فقد سلبته بعض أسسه الجوهرية؛ فجردت برامج التعليم من المواد الدينية وتركت ذلك لمشيئة الفرد، وجردت المعابد والمؤسسات الدينية من مواردها الرسمية وتركتها عالة على تبرعات المحسنين الذين يتأثر مبلغ إحسانهم بالتقاليد الاقتصادية التي لا تعرف نظاماً ثابتاً ولا تتقيد باستقرار.
وحاولت الدولة الحديثة أن تقوم بأعباء الحقائق الاجتماعية التي كان يقوم بها الدين دون أن تستطيع تلك الدولة أن تندمج في العلاقة الثالوثية التي شرحها دير كهايم وهي الروح والمادة والمجتمع. وكان من جراء ذلك هذا الفشل الذي أصاب الديمقراطية في توفير النظام وتوطيد الاستقرار؛ لا في ناحية الروحية والنفسانية والفكرية فحسب بل حتى في فروعه السياسية والاقتصادية كذلك وحين يقف مفكر رزين كالأديب البريطاني ت. إس إليوت وغيره من المثقفين الممتازين ليناشد الدولة والمجتمع أن (يوفر للمعوزين قبل أن يوفرا لهم