على الحقائق الاجتماعية التي لا يمكن أن تعد في حساب الفلسفة وفي عداد الحقائق الطبيعية المادية لأنها ظواهر اجتماعية بينه يدرك الناس أهمية الدور االذي تطلبه في مجرى السلوك الإنساني.
وفي رأي دير كهايم أن الفلاسفة يستمدون مادتهم الخام من هذه الظواهر سواء اعترفوا بذلك أم لم يعترفوا. وعلماء الطبيعة لم ينصبوا علة معالجة الحقائق المادية إلا ونصب أعينهم توجيه هذه الحقائق الاجتماعية نحو قسط أوفر من الكمال. والعلماء في انصبابهم على الحقائق المادية أهملوا التعرف على الحقائق الاجتماعية.
هذا هو محرر النهج العلمي الذي استنبطه دير كهايم فأثار إعجاب الناس. والدارس لآثار دير كهايم يلمس صعوبة المعارج التي سلكها باحثاً للتعرف على جوهر الدين والسلوك الإنساني. فالصلة بين الروح والمادة لا تتم إلا عن طريق الحقائق الاجتماعية، طريق الحقائق الاجتماعية ليست في حد ذاتها مادة مجردة أو روحانية مجردة وإنما هي الظواهر تلعب دوراً رئيسياً في النظام الكوني. ويترك دير كهايم في بلبلة فكرية إزاء هذا المنطق اللوبي ولكنه يمضي في الدراسة والاستقراء والبحث والاستنتاج على أسس هذا المنهج العلمي وهذا المنطق اللوبي. فهو يقدر أن الفوضى في السلوك الإنساني (فردياً كان أم جماعياً) لابد وأن تنتظم وتستقيم بفعل المعرفة الصحيحة للحقائق المادية. ولكن سيطرة الحقائق المادية علة التفكير والسلوك الإنساني. لابد أن تخلق عاجلاً أو آجلاً نوعاً آخر من الغموض والاضطراب الروحي والنفساني؛ ولا يحل هذه الأزمة إلا تدخل النظم الاجتماعية (أو الحقائق الاجتماعية في لغة دير كهايم). والناحية الاجتماعية في التعاليم الدينية من الأهمية بمكان عظيم لأنها تقوم بعمل مزدوج؛ فهي تعزز الغريزة الروحية من جهة، وتصون الحقائق الاجتماعية من جهة أخرى. فإذا تسنى لرجال الدين والذين يحملون لواء الدعوة له أن يضيفوا إلى تراث الدين الروحي والاجتماعي مادة جديدة تستمد إقناعها من الحقائق المادية سياسية كانت أو اقتصادية أو تكنولوجية فإنهم يساهمون بالقسط الأكبر في تنظيم السلوك الإنساني تنظيماً سليماً يحقق سعادة الدارين.
وأصبح دير كهايم سعيداً حين رأي المفكرين من رجال الدين والفلاسفة والعلماء في أوائل هذا القرن على وجه الخصوص يتجهون أكثر فأكثر لدراسة هذا الثالوث من الحقائق