لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) وإني سمعت رسول الله يقول (إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يده أوشك الله تعالى أن يعمهم جميعاً بعقاب).
وما كان أحرص من رسول الله على الصرح الاجتماعي، والوحدة الشاملة! وما كان أشده استمساكاً بالعروة الوثقى، واعتصاماً بحبل الله حين يقول:(من رأى من أميره شيئاً يكرهه، فليصبر عليه، فإنه من خالف الجماعة سبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية).
وبعد، فإنه إذا كان (دور كايم) اليهودي أول واضع لقواعد علم الاجتماع حين قال بنظرية (التماسك الاجتماعي) ' محمداً عليه السلام كان أسبق المفكرين جميعاً إلى وضع الدستور العام المستمد من الحياة الإنسانية في إمكانياتها العامة، وإذا كان قد عرف أول ما عرف بين قومه بأمانة قبل البعثة، فإنه كان الأمين الأول على مقدرات المجتمع في كل زمان ومكان، فمن أين تنفذ نظرية (الماركسية التاريخية) من هذا التراث الفولاذي الخالد الذي يكرم البشرية ويعصمها من مهاوي الزلل، بفضل (الأمانة العامة) وقد أعلى منارتها (كبير الأمناء) الذي أرسله ربه رحمة للعالمين.
وعسى أن يكون واضحاً الآن أن الأمانة إنما هي رسالة المجتمع قبل أن تكون فضيلة الفرد، وأنها الكنز القديم المدخر للإنسانية منذ الأزال حتى الآباد، وصدق الله تبارك اسمه إذ يقول (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً). إي والله إنه كان ظلوماً جهولاً!