وويل للقطيع الي بشرد منه القاصي والناحي، فيصيح غنيمة باردة، تغري أشلاؤها كل وحش ضال بالاصطياد من تحت الريح. وهكذا المجتمع الذي يغفل عن رسالة (المرشد العام) و (الراعي الأمين) عليه السلام، إذ يقول (إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأكل الشاة القاصية والناحية، فإياكم والشعاب، وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد).
ولو عرف كل امرئ قدر نفسه، لوضع نفسه حيث يجب أن توضع، غير طمع في العلا إلا بالحق والدور، وغير متظلم إلا من الهضم والجور، وبين يديه مؤهلات الشاعر الغيور:
متى تحمل القلب الذكي وصارما ... وأنفاً حميماً تجتنبك المظالم
وأف لمن يتخذ أكتاف الكرام سلماً لمآربه، يتنقل عليه من حزب غلى حزب، ليسود، وما كان ليسود لأن الحياء من الإيمان، والرفعة من التواضع، أو كما قال من قال:
سدت الجميع فسدت غير مسدود ... ومن البلاء تفردي بالسؤدد
وهل أوتي الوضيع هذا السلم الرفيع إلا في غفلة من الرقيب العام، يوم كانت الدولة لأقارب المتربع على الكرسي، يؤثرهم - للعصابة والقرابة - على من لهم الحق قبلهم، وهنا ينطق (أمين من في السماء) بقول الحق (من استعمل رجل من عصابة، وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين).
هذا بينما الأصيل الكادح، يئن تحت كل فادح، ويقول في مرارة:
وإذا تكون مهمة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
وليس من الفضائل أحق بالصدارة من الأمانة لأنها جهاد النفس، وصراع الغرائز، وإبطال الباطل، وإحقاق الحق. طلع رجل على النبي وهو جالس بين صحبه فقال (يا رسول الله، أخبرني بأشد سيئ في هذا الدين والينه، فقال عليه السلام: ألينه اشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وأشده يا أخا العالية: الأمانة إنه لا دين لمن لا أمانة له، ولا صلاة له، ولا زكاة له).
والحياة الإنسانية ما هي إلا مجموعة من (أحكام القيم) نصدرها على ما يقع في نطاق الحق والخير والجمال، ولا محيص من إعلان هذه الأحكام حتى يكون لكل عمل إنساني الحق في الثواب والعقاب، أو الاستحسان والاستهجان، وبذلك من أمارات الحيوية والاجتماعية.
قال أبو بكر الصديق: أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم،