ملفوظ من كل كوخ، ولا يستقيم مع نظافة العيش، وسلامة الطريق. وياليتنا نتفهم فلسفة هذا الكناس الذي عرف كيف يبدأ وأين ينتهي، لم يتكل على أن القذارة ستزول من بيته ما بين طرفة عين وانتباهها، بل نهض وشمر عن ساعد الفقر والجهل والمرض، لينعم بالغنى والعلم والصحة. . إنها حركة وفيها بركة، إنها كاسحة نازحة، وعما قريب تكون الفاتحة، والمجتمع المرفوع هو الذي خيره لا مقطوع ولا ممنوع، وشر عدوه دائماً مقلوع لا مزروع.
الزمن محور ارتكاز، وإن طالت الآماد بين حلو الشهاد وخرط القتاد، على أن المصير معروف مألوف. فالظلم والعدوان سينقلبان أسوأ منقلب، وبعدهما الحرية التي لا حدود لها، والنظافة التي لا بعدها، ومن ذا الذي لا يود أن يغدو ثقيلاً ليروح خفيفاً، أو أن يكافح عدوه ليعود سيد نفسه، أو أن تكرهه الأيام على جر العربات، لتكون له وحده الثمرات.
أما المجتمع الثالث المرفوع، فما أشبهه (بلاقطة الجمر)، ولن يستغني المجتمع عن هذه الرافعة في التقاط كل جمرة متقدة من العلوم والفنون، وكل ألوان الحضارة، ولا يكون ذلك إلا بالارتكاز على (الحرية) في الأخذ والعطاء، بحيث لا نأخذ بالجبر، ولا نعطي بالقهر، ولن تكون الحرية مكفولة إذا فتحت الأسواق لكل بضاعة من غير تدخل يراد منه الصيد في الماء العكر، لكساد بضاعة صالحة، والترويج لأخرى فاسدة، وليكن قانون الجميع (البقاء للأصلح).
هذه الحرية التي لا بد منها في تبادل النفع المشترك بين الشعوب الراغبة في السلام، والساعية في الخير، ومع هذا فإن (الشر) سيقاوم هذه الغاية النبيلة، ولن يكون عنصراً فعالاً في المقاومة إلا إذا طال واستطال، وأدمن في المطال، كلما تقاضته الإنسانية ضريبة الحياة، والشر قوة لا محالة، ولكن سرعان ما يمحى في ظلال الحرية، وعلى جمرات العلوم والمعارف.
مجتمع هذه رافعته جدير بأن يكون أفراده يداً واحدة، تقاوم الرذائل والشرور بل تبطش بها البطشة الكبرى حتى لا يضار بها المجتمع. ولعمري لئن كانت هذه اليد بمثابة المقاومة في الرافعة فإن محور الارتكاز اللازم هنا إنما يكون الدين المتين، الدين الذي يمتد سلطانه المشروع إلى كل مرفق من مرافق الحياة المعلقة بيد الله، وعندئذ تكون (الأمانة العلمية)