والاستقلال في ذاته رفعة، وبالنسبة للجهاد وسيلة رافعة، لأن الفرد المستقل هو المجتمع المستقل عاجلاً أو آجلاً، ولن يكون ذلك إلا بكشف الأغطية عن العقل المفكر، ورفع الكمائم عن الأنفاس الحرة، وطرح المخدرات الممقوتة عن الأنوف الشامخة، بعيداً بعيداً، والحذر من المسكنات التي لا يقصد منها غير الاستهلاك المحلي. ولابد من الارتكاز على الاستقلال في القوة واتحاد لإخماد التعصب والتحزب، وإحباط التعالي على الغير وازدراء أقدار الرجال إلى غير ذلك مما يقوم مقام البندقة من الكسارة ولا يعلم صلاحها أو فسادها إلا بالكسر.
ومكافحة المعوقات السياسية من أيسر اليسر، فليس أقل من التفرقة بين السياسة والاستغلال، والفصل بين الوطنية والحزبية، لهذا كان طول ذراع القوة مؤذناً بأن قليلاً من القليل يكفي لكسر البندقة التي قد يغري قربها من محور الارتكاز باحتقار شأنها، في حين أن قصر ذراعها يستلزم الضغط، وهو إن بدأ من بعيد غير شديد إلا أنه كفيل بتفتيت قنبلة ذرية، وليت الناس يعلمون حق العلم قانون الروافع الاجتماعية، إذن ما ضلوا سواء السبيل، ولا تكلفوا الشطط مع بعضهم بعضاً، ولا كلفوا أنفسهم وأوطانهم مشقة الاحتيال على المشاكل المعلقة بينهم وبين أعدائهم وخصومهم.
وهذا المجتمع يشبه (عربة الكناس) وقد امتلأت بالأقذار، وهو يدفعها أمامه، وهي تندفع على عجلة من حديد، وتميل ذات اليمين وذات الشمال، وهو من هزله يميل معها كما تميل، ويحاول أن يقاوم هذه القذارة الثقيلة، ولكنه مرغم على احتمال المكروه في سبيل الجلاء، الجلاء التام.
ذلك هو شأن المجتمع النحيل الذي يكافح الاستعمار والحماية والاحتلال، ويرتكز على عجلة الزمن: تدور فتطوي الطريق وراءها ليس له أن يسبقها أو يدعها تكر بين يديه من غير دفع مستمر.
يا له من كناس يقبض بيديه على نعش العدو، يشيعه إلى خارج البلد إلى غير رجعة، والأيام تطاوعه، فلا ينبغي له أن يستعجل الجلاء، ففي العجلة الندامة، وحسبه أن عجلة الظلم لا تدور مع الأيام، فليعتمد على ضعفه ليكون القوة. إن ذلك من عزم الأمور.
إن المقاومة القذرة، والبطش الكافر، والاستعباد العنيف، كل ذلك مطرود من كل بيت،