وبايع لخليل شيبوب بخلافة الشعر من بعده، واعتز شيبوب بهذه (البيعة) لأنه كان يجل (المطران) ويجعل من نفسه حوارياً من حواريه وغاب عن مطران أن الأدب لا يورث، وليس فيه خلف ولا سلف. والحق أن (الشيبوب) كان أشعر في بابه من مطران، وإنما سبقه المطران غلى الشهرة لأن الذين في أيديهم أمور النشر والإذاعة رأوا أن يجعلوا منه ثالثاً لشوقي وحافظ. ولسنا نحب أن نناقش حجية هذا الرأي فنحن بصدد الكلام في خليل شيبوب ومذهبه في الشعر والأدب جميعاً.
والحق أن شيبوباً كان يتمذهب بمذهب خليل مطران في الشعر الوصفي الرمزي، فهو شاعر وصاف، والشاعر الوصاف ينزع أكثر ما ينزع إلى الناحية المادية، بيد أن شعر شيبوب في هذا المنحى أقوى من شعر مطران، فيه قوة نفتقدها في قريض شاعر القطرين وعاطفة مشوبة قل أن نعثر عليها في قصائد الوصافين من الشعراء المحدثين. ثم إن شيبوباً هو الذي يقول:
ليس بجسمي قطرة من دم ... لم تختبر حباً ولا تعشق
على أن خليل لم يفرغ الشعر مرة واحدة وإنما جعله هواية له في أوقات الفراغ أو في بعضها على الأصح فهو قارئ من الطراز الأول. اشهد أني ما رأيته إلا وفي يده كتاب يطالعه، أو يريد أن يطالعه، وتلك هوايته المفضلة في تزجية الوقت الثقيل.
ولكن صديقنا خليل شيبوب يروي لنا أنه أسرف على نفسه في شبابه الأول أو في فجره الأول، غير أننا لم نلحظ هذا الإسراف في مظهره، فالشيب لم يسلك سبيله إلى مفرقة حتى بعد أن ذرف على الستين أو جاوزها، بل بقى شعره فاحم السواد، حتى كنا نحن أصدقائه الخلصاء نداعبه ونعابثه قائلين له إنه من (المنظرين) الذين لا يموتون حتى يوم القيامة!
وكان الأستاذ شيبوب سوري الأصل ولد في اللاذقية موطن أبي العلاء، ولكن هواه إنما كان مصروفاً إلى لبنان لا إلى سوريا، ديدنه في ذلك ديدن النصارى من أهل الشام.
ولعل أحداً ممن نعموا بعشرة خليل شيبوب لا يصبح أو يمسي إلا ذاكراً طيب خلاله وجميل شمائله وحلو دعاباته ومتارفه البهيجة، فقد اعتاد أن يدعو أصفياءه إلى سهرات رائقة ومآدب مونقة، يتبادلون فيها إلى جانب الطعام الشهي والشراب الروي مستعذب الأفاكيه ومستغرب النوادر، ويتطارحون أبرع ألوان القريض.