علمه البيان) وإنما أنت كمغن وسط، لا يحسن فيطرب، ولا يسئ فيلحى، وليس من شعر يفسر، ولا أرض تكسر، حتى يكون نفسك من نفسك، وقليبك من قلبك، وحتى نتناول الوضيع فترفعه، والرفيع فتضعه، والقبيح فتحسنه).
وقد بحث ابن شهيد في مقدار الطبع وتركيبه في النفوس، وأثره في صور الكلام وتفويق المعاني، وذهب في البحث مذهباً فلسفياً فقال:(مقدار طبع الإنسان إنما يكون على مقدار تركيب نفسه مع جسمه، فمن كانت نفسه مستولية على جسمه من أصل تركيبه، كان مطبوعاً روحانياً يطلع صور الكلام والمعاني في أجمل هيآتها، وأروق لباساتها، ومن كان جسمه مستولياً على نفسه من أصل تركيبه، كان ما يطلع من الصور ناقصاً عن الدرجة الأولى في التمام والكمال) ومن رأي ابن شهيد أن للأعضاء الظاهرة تأثيراً على الملكات الباطنة، فتجده يقول في جماعة من أدباء قرطبة (إنهم يدركون بالطبيعة، ويقصرون بالآلة، وتقصيرهم بالآلة هو من طريق العلل الداخلة من فساد الآلة القابلة الروحانية والخادمة لآلات الفهم، والباعثة لرقيق الدم في الشريان إلى القلب، وزيادة غلظ أعصاب الدماغ ونقصانها عن المقدار الطبيعي ما يعين على ذلك بالحس وطريق الفراسة من فساد الآلات الظاهرة كفرطحة الرأس وتسفيطه، ونتوء القمحدوة، والتواء الشدق، وخزر العين، وغلظ الأنف، وانزواء الأرنبة).
وهذا المذهب قريب الشبه من مذهب النقاد الفرنسيين في القرن التاسع عشر الذين استخدموا القوانين العلمية في النقد الأدبي ودراسة الشخصيات، وهو أشد قرباً من مذهب الناقد المشهور (سانت بوف). فقد كان هذا الباحث يعمل على تطبيق علم التشريح، وعلمي - الفسيولوجيا والبسكولوجيا - على تراجم الشعراء والكتاب، وكان يتعمق في بحث النفسيات، ويهتم بالعرض كما يهتم بالجوهر، ويبحث عن شكل صاحب الترجمة الظاهرة، من الطول أو القصر، والنحول أو البدانة، والقبح أو الجمال، ليستطيع أن يدرك مقدار استعداده ومواهبه، وما عنده من صفاء الروح وقوة الطبع. ولكن ابن شهيد كما ترى له فضل السبق إلى تقرير هذه الآراء، ولقد أصاب ابن شهيد في كل ما قرره، ووفق في شرحه وتعليله، فلا جرم أن الطبع هو سر البلاغة، ومبعث الصفاء وحسن الرونق في صور الكلام، وأن علوم اللغة والنحو والتصريف لا تجدي مع القلوب الغليظة، ولا تخدم