وحسبك عاراً أن تبيت ببطنة ... وحولك أكباد تن إلى القد
أتعلم من ذلك (الخليفة الإمام)؟ إنه الواثق العباسي، أما الثاني فهو علي بن أبي طالب، وليس تاريخ المسلمين غير (علي) واحد يحمي الحديدة لأخيه عقيل من أجل حفنة من الشعير اقتصدها من قوته اليومي، ولكن كم في تاريخ المسلمين من (واثق) مسرف سكير! إن أمثال هذا هم الذين أشاعوا التفسخ في دنيا الإسلام، وها نحن أولاء نقاسي تبعات هذا التفسخ في عصرنا الحاضر، الذي لم يرث عن عصر علي وعمر أي شيء، كما أنه لم يرث عن الأمويين قوتهم وفتوحاتهم ولا عن العباسيين علومهم وآدابهم، وإنما ورث عن هؤلاء وأولئك البذخ والترف والقصور والأقطاع، كما ورث عن العثمانيين والمماليك كل ما اتصفوا به من الاستبداد المطلق والجشع الماحق، والرشوة والنهب والسلب وبيع الوظائف في سوق (المزاد) السري وإغداقها على الأنصار والذيول. ورث عنهم هذه الفروق الشاسعة بين طبقات الناس، فإلى جانب القصور المحلقة بأجنحتها تعشعش الهياكل الآدمية في أكواخ وبيوت كأنها القبور ليس فيها إلا الدود والعظام. وإلى جانب الأكراش المترهلة بألوان الطعام بطون وبطون تنطوي على الجوع والحرمان. وإلى جانب الأكتاف والنحور المثقلة بالفرو والسنجاب والماس والجواهر أجساد عارية لا تجد الكساء. وإلى جانب الإقطاعيات المترامية مشردون لا يجدون مفحص قطاة. وإلى جانب الحكام والمتنفذين محكومون يلوذون بالصمت حيناً وبالتذمر حيناً آخر، وكلا الحالين أحلاهما مر؛ ففي الأول جوع، وحرمان وفي الثاني سجن وتعذيب، وإلى جانب الاستعمار المستشري شعوب ذليلة خاضعة تأتيها الصفعة من كل جانب،!! هذا هو التفسخ السياسي والاجتماعي في البلاد العربي والإسلامية يصوره لنا الأستاذ الكبير سيد قطب في كتابه الجديد (معركة الإسلام والرأسمالية) ففي هذا الكتاب دعوة صارخة إلى الحق والكف عن الفوضى التي دهورت المجتمع العربي الإسلامي وجعلت منه ميداناً فسيحاً لعبث العابثين وألعوبة بين المستعمرين حتى تساوى معلموه وجهاله في ضعف الذاتية وتبلد الفكر والتواء الطريق وسخف الهدف والاتجاه. وكثيراً ما نسمع في هذه الأيام من الكلمات الفارغة هنا وهناك في الإصلاح والتكتل الإسلامي وما شابه ورادف. . كلمات لا تجدي شيئاً لأن قائليها عبيد مأجورون قد انعدمت ذاتيتهم وضؤلت نفوسهم. أما الأستاذ قطب فليس من أولئك لأنه ليس