بسياسي (مأجور) ولا معمماً يتجر بالدين، وإنما هو واحد من أحرار الفكر والضمير.
ومن الخير أن أسوق بعض الأمثلة من هذا الكتاب الذي بين أيدينا. قال الأستاذ قطب في ص٧:
(إن الإسلام ليصرخ في وجه الظلم الاجتماعي والاسترقاق الإقطاعي وسوء الجزاء، وإنه ليمد المكافحين لهذه الأوضاع القائمة. وما من إثم أكبر من إثم الذين يدينون بالإسلام ثم يقبلون مثل هذه الأوضاع أو يبررونها باسم الإسلام، والإسلام من مثلها براء).
ويتحدث عن الكتلة الإسلامية فيقول في ص٣٣:
(في هذا العالم رقعة فسيحة متصلة الحدود من شواطئ الأطلنطي إلى جوانب الباسفيكي تضم أكثر من مائتي مليون من الناس يشتركون في عقيدة واحدة ونظام معيشي واحد، وتقاليد متقاربة ولغة إن لا تكن واحدة فهي في طريقها لأن تصبح لغة التفاهم للجميع. . . فأي عقل يمكن أن يغفل هذه الكتابة الضخمة من الحساب؟).
وفي ص٣٨ يتحدث عن العالم العربي وموقفه من النزاع الدولي فيقول:
(إن هذا العالم العربي الممزق في برثن الاستعمار الغربي ليستحق اللعنة والاحتقار إذا مد يده الذليلة ليسند الغرب الفاجر في بأسائه مرة أخرى).
قد يقال: إن الأستاذ قطب يدعو إلى فكرة رجعية تحرمنا (لذه) الاتصال بالغرب ولكن الشأن غير ذلك فهو يقول في ص٣٥و٣٦:
(نحن لا ندعو إلى عزلة فكرية أو اجتماعية عن ركب الإنسانية المندفع فنحن شركاء في القافلة، شركاء في الحضارة البشرية. . . ولكننا ننعى هذا التسول الدائم الذي نزاوله وهذا الاستجداء المزري الذي نحن عاكفون عليه. . . وما دمنا نستجدي دائماً ولا نعطي شيئاً فنحن على مائدة الإنسانية في موضع الشحاذ المتسول لا في موضع الواهب الكريم).
هذه بعض الأمثلة من هذا الكتاب؛ وكله على مثل هذا النسج وقد كتب بأسلوب مؤثر تمكن في طياته حرارة القلب المؤمن بوطنه ودينه وأمته، ونضج المفكر الحر الذي يشعر بكرامته وكرامة جنسه، وصدق الداعي الذي يؤمن برسالته أحر الإيمان. ولعل هذا الوصف الشامل الدقيق للحالة الاجتماعية والسياسية يعود ويكون مقدمة لما في الكتاب من استيحاء للنظم الإسلامية في مختلف نواحي الحياة، وقد عالج الأستاذ قطب هذه النظم بدقة وطبقها