للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن تلق إليه سمعك وتشهديه قلبك فأنا ضيف قد نزل بك، ومن حسن الوفادة وتمام الضيافة الاستماع إلى كلام الضيف والإقبال عليه بالسمع والقلب

إن مسئوليتك يا مصر أوسع وأعظم من تأدية رسالة الأدب وخدمة لغة العرب، وما تجودين على الأقطار العربية الشقيقة برشحات الثقافة الأوربية وفتات المدينة الغربة. إنك بين آسيا وأوربا فأنت ملتقى الثقافتين ومجمع البحرين. إنك وسط بين مهد الإسلام ومشرق نوره؛ وبين مولد الحضارة الغربية ومبعث العلوم المصرية، فعليك مسؤولية القارتين، وعندك رسالة الثقافتين

وأما مسؤولية آسيا والأقطار العربية فلا تخرجين منها يا مصر حتى تكوني قنطرة تعبر عليها إلى البلاد العربية تجارب أوربا وعلومها ونشاطها وكدحها في الحياة وجهادها للبقاء، هنالك تقومين برسالتك ووظيفتك لهذه البلاد العزيزة التي ترتبطين بها برابطة دينية وروحية وثقافية وسياسية

وأما مسؤولية أوربا فلا تخرجين منها حتى تبلغي رسالة الجزيرة العربية - وهي الإسلام الذي احتضنته من زمان - إلى أوربا، وحل المشاكل التي أعيت كبار المفكرين وأتعبت عظماء المشرعين، وبذلك تؤدين واجبك المقدس نحو هذه القارة الأوربية التي استوردت منها شيئا كثيرا من العلم والمصنوعات والمنتجات، ونظمت عليها مدنيتك وحياتك تنظيما جديدا، وتحسنين إليها أكثر مما أحسنت إليك وتصدرين إليها أفضل مما صدرت إليك

إنك يا مصر قد بنيت القناطر الخيرية فانتظم الري وازدهرت الزراعة وأخصبت البلاد؛ وأريد أن تبنى قنطرة خيرية أخرى هي أكبر القناطر في العالم وانفعها، تصل بين بحرين لم يزالا منفصلين، وبين حضارتين لم تزالا متنافستين، وبانفصالهما وتنافسهما شقي العصر الجديد، فلو إنك وصلت بينهما وكنت قنطرة تتبادل بها القارتان خيراتهما ومحاسنهما؛ وفرت على الإنسانية جهودا وأوقاتا كثيرة وصنتها من الضياع كما أن قناطرك الخيرية وفرت على مصر مياه ونظمت أمر الري

تقد كان حفر قناة السويس اكبر حادث في التاريخ العصري غير مجرى التاريخ وأحدث انقلابا في السياسة والتجارة؛ ولكن من يستطيع أن ينكر أن شقاء الأمم الشرقية كان أعظم وأعظم من سعادتها، وأنها لم تجن من السويس إلا عبودية واستعمارا. والعالم الآن في

<<  <  ج:
ص:  >  >>