حاجة إلى قنال آخر، قنال التعارف الصحيح والتبادل المتوازن، وإليك وحدك يا مصر، القيام بهذه المبرة العظيمة لمكانك الجغرافي وأهميتك السياسية وثروتك الثقافية ومركزك الروحي. تعلمين أن دولة تتزن ميزانيتها ولا تتحسن أحوالها الاقتصادية إلا إذا وجد توازن بين حركة التصدير والتوريد، أو كان تصديرها أكثر من توريدها، ولمننا في الشرق نورد أكثر مما نصدر، وكان السويس أكبر مطية من مطايا هذا التوريد، فلا نريد قنطرة أو قنالا يكون معبر البضائع الأجنبية من أفكار وآراء وفلسفات وأخلاق إلى أعماق الشرق وأحشائه، بل نريد قنالا يساوي بين التوريد والتصدير، ويصدر أفضل ما عند الشرق الإسلامي من رسالة وعقيدة وخلق وعلم، ويورد أحسن ما عند الغرب من منتجات ومصنوعات وتجارب واكتشافات ومرافق الحياة، فكوني يا مصر ذلك القنال الأمين العادل الذي لا يسمح بالمرور إلا للصالح للفاضل
إن لك يا مصر يدين، فخذي من الغرب ما فاق فيه من علم وتجربة فالحكمة ضالة المؤمن، ومدي إليه يدا أخرى، يد المساعدة والكرم، وجودي بما أنعم الله عليك من نعمة الأيمان وشرف الإسلام فذلك الذي لا يملكه الغرب ولا يستغني فيه عنك، وقد أنهى به إفلاسه فيه إلى ما ترين من فوضى وانحلال، فتصدقي عليه بهذا الأيمان ورسالة الروح، ولا تنسى أبدا اليد العليا خير من اليد السفلى
كوني يا مصر رسول الإسلام إلى الغرب، واحملي إليه رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، تلمك الرسالة تلتي حملها العرب إلى الأمة الرومية والأمة الفارسية فأنقذتهما من مخالب لموت وأفاضت عليهما ثوبا قشيبا من الحياة ولونا جديدا من النشاط، وليس الغرب أقل حاجة إلى هذه الرسالة وهو في دور التفكك وتنازع الموت والحياة إلى الأمة الرومية والفارسية إليها. وقديما اختار الملوك وأصحاب الرسالة السماوية رسلا من عشيرتهم والأقربين إليهم، ولك من إبراهيم وإسماعيل ومحمد صلى الله عليه وسلم رحم ماسة وقرابة خاصة ليست لقطر من الأقطار الإسلامية بعد الجزيرة العربية
إن أوربا قد شاخت ونضجت كالفاكهة التي أدركت وضعف الغصن عن حملها، فاستعدي يا مصر الإسلامية لتحلي محلها في الزعامة العالمية وقيادة الأمم، وما ذلك بعزيز ولا بمستحيل، إذا تم استعدادك الروحي والخلقي والمادي. وإذا كانت أوربا قد احتفظت بالقيادة