عدل من الدمع أن يبكى المصيف كما ... يبكى الشباب ويبكى اللهو والغزل
وقد كانت رحلته إلى خراسان دافعا له على وصف مظاهر الطبيعة القاسية في هذا الفصل. وقد شبه الشتاء بحيوان قوي مخيف وادعى أن ممدوحة ضرب هذا الحيوان ضربة فلت من غربة وكسرت من حدته، وجعلته ذلولا سلس القيادة، قال:
فضربت الشتاء في اخدعيه ... ضربة غادرته قودا ركوبا
ووجد الشعراء والكتاب في الأمطار والسيول مجالا للقول، وميدانا فيه يتسابقون ويأتون بكل معنى طريف، وقد صور لنا ابن الرومي ما فعلته به الأمطار وهو سائر في الطريق فقال:
لقيت من البر التبارج بعدما ... لقيت من البحر ابيضاض الذوائب
سقيت على ري به الف مرة ... شففت لبغضيها بحب المجادب
إلى الله أشكو سخف دهري فأنه ... وما يثني - مذ كنت - مطايبى
أبى أن يغيث الأرض حتى إذا ارتمت ... برحلي أتاها بالغيوث المواكب
سقى الأرض من أجلي فأضحت مزلة ... تمايل صاحبها تمايل شارب
وأستمر الشاعر في هذه القصيدة فصور لنا حاله وقد بللته الأمطار حتى أصبح كالغريق. وذكرتنا أنه التجأ إلى خان ليستريح من بلاء هذا المطر وليظفر بالدفء. ولكنه لم يجد بغيته في هذا الخان لأن الأمطار قد أتلفته وجعلته عرضة للسقوط. فقضى به ليلة في خوف وجوع، إذ كان سقف الخان قد أثقلته مياه الأمطار فأضحى مبعثا للرعب بصريره الذي يشبه صرير الجنادب. ولما انقطعت الأمطار هبت ريح صرصر عاتية حثت التراب والحصى في الوجوه. وهكذا أصبحت الحياة كما صورها أبن الرومي جحيما لا يطاق. وفي هذه القصيدة من الألم والتبرم والسخط ما لا يخفى. فالشاعر يشكو مر الشكوى من دهره الذي يعبث به ويسومه عذاب الهون
وقد تبارى أدباء الشام في وصف ما أحدثته الأمطار والسيول ببلادهم، وما سببته من الخسائر والتلف في الزرع والضرع، وما فعلته في الطرق من التخريب والتميز، وما ترتب على ذلك من سوء الأحوال الاقتصادية والصحية، وما تعرض له الناس من الهلاك. فانظر إلى هذه الصورة المؤثرة وهي من رسالة لأحد الكتاب: (. . أما المسكن فأهلها