مساكين، وأفواههم من الحزن مطبقة فما تفتحها السكاكين. قد أنتبذ كل منهم زاوية من داره، وتداخل بعضه في بعض لتضمه بقعة على مقداره، هربا من توقيع أكف الوكف، وخوفا من ركوع الجدار وسجود السقف)
وقال أبن المعتز:
روينا فما نزاد يا رب من حيا ... وأنت على ما في النفوس شهيد
سقوف لبيتي صرن أرضا أدوسها ... وحيطان بيتي ركع وسجود
فالناس في الشتاء كانوا عرضة للهلاك. فربما فاجأتهم الأمطار الغزيرة في أثناء سفرهم
وقطعت عليهم الطريق وتعذر على القوافل السير فيتلفهم الجوعوالبرد ويموت أكثرهم من جراء هذا.
والمقيمون في المدن لا يسلمون من شر الأمطار. فلما خرت عليهم سقوف المنازل فجأة وهم نائمون فيقضي عليهم. وقد يحبسون في دورهم أياما حتى تجف الطرق وتصلح، فلا عجب إذا ساءت أحوال المعيشة إلى حد كبير. وقد ظهر اثر هذا في الأدب بشكل واضح، فرأينا أدبا لحمته وسداه السخط والتبرم بالحياة. أما المتصوفة فرأوا في هذه الأمطار والسيول عقوبة إلهية امتحن الله بها الناس لعصيانهم وابتعادهم عن الصراط المستقيم. وفي ذلك يقول ابن الوردي:
أن المصائب بالأقدار كائنة ... لمن على حساب الأقدار تحتسب
عجبت مني ومن غيري تشوفنا ... إلى ازدياد حياة كلها تعب
وان دهمنا بسيل أو بنوع أذى ... كالنار والثلج قلنا ما هو السبب
أقسمت بالله لولا حلم خالقنا ... لكان منم عشر ما نأتي به العطب
ودهرنا أي دهر في تقلبه ... قد هان فيه التقى والعلم والأدب
فالمتصوفة كانوا يتخذون من هذه الأمطار الغزيرة التي يبتلى بها الناس في هذا الفصل وسيله للوعض والإرشاد، والنصح والتحذير
ووصفوا الغيوم وما تحدثه في الجو حين تحجب الشمس والقمر والنجوم. واتوا في ذلك بكثير من الصور والمعاني الجميلة. قال احد الشعراء:
لا يوحش الله من شيء يقال له ... شمس النهار فما تبدو ولم تعد