أما النجوم فشيء كان في زمن ... مضى حميدا فقد ولى ولم يعد
وهذا من المبالغات العجيبة. فالشاعر هنا يتحدث عن شيء يقال له الشمس وعن شيء يقال له النجوم. وذلك لان الناس لطول عهدهمبالغيوم أضحوا لا يعرفون من أمر هذه الكواكب قليلا أو كثيرا
وهذا شاعر يصور النجوم حين تظهر من خلال الغيوم فيقول:
ولقد ذكرتك والنجوم كأنها ... در على ارض من الفيروزج
يلمعن من خلل السحاب كأنها ... شرر تطاير عن يبيس العرفج
والأفق احلك من خواطر كاسب ... بالشعر يستجدي اللئام ويرتجي
لقد تنافس الشعراء والكتاب في اختراع الأوصاف والتشبيهات، وصوروا هذه الظاهرة الطبيعية تصويرا لا تنقصه ريشة الفنان الموهوب. انظر إلى هذا الشاعر حين يقول:
والبدر يستر بالغيوم وينجلي ... كتنفس الحسناء في مرآتها
وكانوا ينتهزون فرصة تلبد الجو بالغيوم ويجعلون من هذا وقتا مناسبا للهو والعربدةٍ، فيعقدون مجالس الخمر والغناء. وتلك عادة عرفت عند العرب منذ العصر الجاهلي. قال طرفة
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ... ببهكنة تحت الطراف المعمد
وقال الصنوبري:
الجو بين مضمخ ومضرج ... والروض بين زخرف ومدبج
والثلج يهطل كالنثار فقم بنا ... نلهو بربة كرمة لم تمزج
ضحك النهار وبان حسن شقائق ... وزهت غصون الورد بين بنفسج
فكان يومك من غلالة فضة ... والنور من ذهب على فروزج
والشواهد على ذلك كثيرة. ومنها نرى انهم كانوا في أوقات الغيوم والأمطار ينشطون لتعاطي الشراب وسماع الغناء. ولا يخفى انه عقب سقوط الأمطار تصفو الطبيعة صفاء تاما وترق إلى حد بعيد، فتستولي على الإنسان مشاعر خاصة لما يرى من مظاهر الجمال الطبيعي في الكون ويمتزج بالطبيعة امتزاجا كليا. وكأنه يتعاطى الخمر وسماع الغناء يريد أن يشارك الكون في الصفاء