استرخصت أم عمارة الحياة الدنيا في سبيل الحياة الآخرة، وأرادت العزة فوهبتها عزيز الروح، وعاشت دهرا بعد أن تقطعت يدها يوم اليمامة، ورجعت وفي جسمها اثنا عشر جرحا ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، وكأنها اثنا عشر نجما تتلألأ في السماء، فتنير ظلام البدن بشرف الروح.
وجعل الناس يعودونها ومعهم مرضاهم لتستشفي لهم، ويتلمسوا منها البركة، فتمسح بيدها الشلاء على موضع العلة، وتدعو ببعض كلمات كانت تسمعها من رسول الله، فما من عاهة مسحت عليها بيدها إلا برئت بإذن الله.
وصار كل من يرى أم عمارة لا يستطيع أن يخفي إعجابه من قلبها هذا الحديدي، وقد امتلأ أمنا وإيمانا، ولا أن يخفي عجبه من هذه الجراحات الموزعة في ظاهر جسمها، وكلما سأل سائل عن ذلك، قالت:
(يوم اليمامة تقطعت يدي وأنا أريد قتل مسيلمة، وما كان لي ناهية حتى رأيت الخبيث مقتولا، وإذا بابني عبد الله بن زيد يمسح سيفه بثيابه فقلت له: أقتلته؟ قال: نعم. فسجدت لله شكرا)
وكان جديرا بأم عمارة أن تلقى التكريم من كل من جلس إليها، وتأمل آثار جهادها، ولكن ما كان أسعدها حين يردد الناس على سمعها قول النبي الكريم، وما أصدقه وأبلغه وأحكمه: ون يطيق ما تطيقين يا أم عمارة!