للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المختلفة، واحساساتهم المتباينة أمام هذا العدو الجبار وهو البرد.

وفي الشتاء كما ذكرنا يكثر أدب الشكوى والسخط والتبرم بالفقر. وذلك لأن متاعب الفقر تظهر في هذا الفصل، فيشعر المعدمون بوطأة الحياة عليهم، ويتألمون ويتضجرون ومثال ذلك قول أحدهم:

قيل ما أعددت لل ... برد وقد جاء بشدة

قلت دراعة عرى ... تحتها جبة زعدة

وهذا شاعر متصوف يقول:

جاء الشتاء وليس عندي درهم ... وبمثل هذا قد يصاب المسلم

لبس العلوج خزوزها وفراءها ... وكأنني بفناء مكة محرم

وأكثر ما يظهر حسد الفقراء للأغنياء في هذا الفصل الذي تعرف فيه قيمة الثراء حق المعرفة. وقد يمزجون الشكوى من الشتاء بالتهكم المر والسخرية اللاذعة والدعابة المؤلمة. ومثال ذلك قول أحدهم:

لي من الشمس حلة صفراء ... لا أبالي إذا أتاني الشتاء

ومن الزمهرير إن حدث الغي ... م ثيابي وطيلساني الهواء

بيتي الأرض والسماء به سو ... ر مدار وسقف بيتي السماء

فكأن الإصباح عندي لما في ... هـ حبيب رقيبة الإمساء

فانظر كيف صور الشاعر نفسه، وكيف فرج عن آلامه المكبوتة بهذه الدعابات وكيف وصف ما يعانيه من العرى في هذه الصورة الساخرة. فهو لا يحفل بالشتاء ولا يعبأ بالبرد. فإن طلعت الشمس اتخذ منها ثيابه، وإن احتجبت استعاض عنها بالغيم والهواء والفضاء سكنه. فكأنه يعيش على مذهب العراة الذي نسمع به في هذه الأيام.

وأنظر إلى أبي الحسين الجزار حين يقول:

لبست بيتي وقد زررت أبوابي ... علي حتى غسلت اليوم أثوابي

وقد أزال الشتاء ما كان من حمقي ... دعني فمستوقد الحمام أولى بي

ما كنت أعرف ما ضرب المقارع أو ... قاسيت وقع الندى من فوق أحبابي.

فالبيت الأول يكشف عن خفة الروح التي أشتهر بها هذا الشاعر. فهو لفقره وعدم توفر

<<  <  ج:
ص:  >  >>