الملابس لديه اضطر إلى أن يتجرد من أثوابه ويحبس نفسه في منزله حتى تغسل ملابسه وتجف. وقد عانى من ويلات البرد ما جعله يخنع ويستكين ويفضل أن يلقي بنفسه في مستوقد الحمام لأن وطأة البرد عليه كانت أشبه بضرب المقارع.
وبجانب هذا الأدب الذي يعبر عن الشكوى والسخط، تجد أدبا آخر يصور حياة الأغنياء في هذا الفصل وما فيها من ترف ونعيم. فهو عندهم فصل محبب إلى النفس، إذ يقبلون فيه على الخمر والكباب والنساء، والسماع والرقص، قال أحدهم:
نعم الشتاء وحبذا ... زمن الهنا والراحة
طاب العناق به إذا ... دار الحبيب براحتي
وقال الخوارزمي:
أعد الورى للبرد جندا من الصلا ... ولاقيته من بينهم بجنود
ثلاث من النيران: نار مدامة ... ونار صبابات ونار وقود
فهذا هو شعور الأغنياء نحو الشتاء. فهو عندهم فرصة للتمتع بالمشروب والمأكول والملبوس والملموس. وكانوا يسمون لوازم الشتاء (كافات). وهي عندهم سبعة تضمنها قول الشاعر:
جاء الشتاء وعندي من جوانحه ... سبع إذا القطر عن أوطاننا حبسا
وكن وكيس وكانون وكأس طلا ... مع الكباب وكف ناعم وكسا
آلكن أي المنزل والكيس كناية عن النقود. وكف ناعم كناية عن المرأة، والسعيد هو الذي تتوفر لديه هذه النعم.
وكثيراً ما شكا الفقراء من حرمانهم من تلك الكافات قال أحدهم:
جاء الشتاء وما الكافات حاضرة ... وإنما حضرت منهن إبدال
قل وقر وقلب موجع وقلا ... وقادر هاجر والقيل والقال
وقال آخر:
لا الكاف عندي ولا الكانون متقد ... كنى ظلامي وكيسي قل ما فيه
دع الكباب وخل (الكف) وا أسفا ... على كسا أتغطى في دياجيه
فمن هنا نرى أن الشتاء يوحي بنوعين من الأدب يناقض أحدهما الآخر؛ فالأول أدب