الفقراء الذي يصور ما يلاقيه الفقير من البؤس والضيق والجوع والعرى. وإحساس الفقير بالحاجة إلى الغذاء والكساء في فصل الشتاء أشد منه في أي فصل آخر.
وذلك لحاجة الجسم إلى طاقة معينة من الحرارة لا يحصل عليها إلا إذا توفرت لديه الملابس الصوفية والمواد الدهنية. وبغير ذلك يتعرض الناس للموت ولأمراض الشتاء المختلفة. لذلك كان هذا النوع من الأدب صادقاً إلى أبعد حدود الصدق. أما النوع الآخر فهو الذي يصور حياة الأغنياء وما فيها من لهو ومجون وعبث وخلاعة وتفاخر بالأموال والثمرات. فليالي الشتاء عندهم مواسم وأعياد.
وفي الشتاء تكثر البراغيث بين الطبقات الفقيرة. قال ابن وكيع التنيسي:
حتى إذا ما ملت للرقاد ... نمت على فرش من القتاد
إن البراغيث عذاب مزعج ... لكل ما قلب وجلد تنضج
لا يستلذ جنبه المضاجعا ... كأنما أفرشته مباضعا
فانظر كيف صور الشاعر ليالي الفقراء في هذا الفصل. فبينما هي فرصة طيبة للهو والخلاعة عند الأغنياء، إذا هي جحيم لا يطاق عند الفقراء. برد شديد، وبراغيث تطرد النوم عنهم في غير رحمة فلا عجب إذا تبرم الفقراء بطول الليل وتضجروا. في حين أن الأغنياء يجدونه - على طوله - قصيرا.
وهذا شاعر آخر يزعم أن للبرغوث فوائد ومزايا. وقال:
لا تكره البرغوث إن اسمه ... برغوث لك لو تدري
فبره مص دم فاسد ... والغوث إيقاظك في الفجر
وهذا من وحي الجهل نعوذ بالله من شره.
وكان من الناس من يعجز عن تأدية فريضة الصلاة، وبخاصة صلاة الصبح، وذلك لشدة البرد، قيل لأعرابي:
أما تصلي في الشتاء؟ قال: البرد شديد، وما علي كسوة أصلي فيها. وأنشد:
إن يكسني ربي قميصا وريطة ... أصلي وأعبده إلى آخر الدهر
وإن لم يكن إلا بقايا عباءة ... مخرقة ما لي على البرد من صبر
ففي الشتاء تصعب الصلاة ويسهل الصيام. وهناك أحاديث رويت عن النبي صلى الله عليه