وإن من دواعي الغبطة أن تزدهر الثقافة في هذا العصر، وأن تبلغ الحياة العقلية في مصر أوجها، وإن يكون ازدهار الثقافة وارتقاء الحياة العقلية سببا في إخمال الشعر وإسكات صوته. ولقد قيل إن الشعر في مصر قد خفت صوته بعد شوقي وحافظ؛ وأنا أقول: إن الحياة العقلية في مصر بعد شوقي وحافظ قد ارتقت. فانصرف الناس إلى تسجيل أفكارهم بعد أن كانوا منصرفين إلى تصوير احساساتهم. ألا فليعلم الناس أني ما سمعت أن فلانا شاعر حتى فهمت أنه لم يزل في الطور الأول من أطوار الأدب، وأنه أبعد ما يكون عن هذه الثقافة الواسعة العميقة. وما سمعت أن أمة من الأمم شاعرة حتى فهمت أنها أمة بدائية وأن حياتها العقلية ما زالت هامدة جامدة. فهنيئا لمصر أن يضمحل فيها الشعر ويقل فيها الشعراء، وأن يزدهر فيها العلم وتمتلئ بالكتاب والعلماء.