كتب البلاغة، وتدرك أم مسائلها كانت لا تزال متفرقة بين كتب التفسير وكتب الأدب وكتب النقد والبلاغة، وقد قام علماء البلاد بجمع هذا التناثر المتفرق هنا وهناك، ثم لم يقفوا عند هذا الجمع، بل زادوا ما وصلوا إليه باجتهادهم الشخصي وأذواقهم الخاصة، ووضعوا كتبا كثيرة لم أر منها إلا ما لا يكاد يزيد على أصابع اليدين
وكان دارسوا لبلاغة في ذلك الحين يرمون إلى هدفين: أولهما دراسة بلاغة القرآن، وثانيها القدرة على تذوق القول الجميل والعون على إنتاجه، وما بقي لدينا من كتب هذا العصر يدل في وضوح على هذين الهدفين، وقد يتغلب أحدهما على الآخر في بعض الكتب، فترى كتاب الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، وكتاب بدائع القرآن، وكتاب التبيان في علم البيان لأبن الزملكاني ترمي إلى بيان ما أودعه القرآن من ألوان البلاغة، بينما تجد الغالب على كتاب المثل السائر وكتاب معالم الكتابة ومغانم الإصابة وكتاب تحرير التحبير، وكتاب البديع لأسامة ضرب المثل البلاغية للتذوق والإقتداء
وأشهر مؤلفي البلاغة في ذلك العصر ابن الأثير صاحب كتاب المثل السائر وهو أسير كتاب بقي لنا، وعبد العظيم بن الإصبع وبدر الدين بن مالك الذي اختصر المفتاح للسكاكي في كتاب سماه المصباح
- ٥ -
وظفرت المكتبة العربية في ذلك العصر بإنتاج ضخم في التاريخ، وألوان متنوعة فيه، وشخصيات ذوات أقدار ممتازة من الناحية العلمية والاجتماعية، ومن الممكن أن نتبين في هذا العصر أكثر من عشرين اتجاها في كتابة التاريخ
فبعض مؤرخي العصر قد أعجب بأسرته من ناحية مجدها السياسي حينا أو العلمي حينا آخر؛ ومنهم من اكتفى بكتابة مذكرات شخصية سجل فيها ما رآه، كما فعل أسامة بن منقذ في كتاب الاعتبار. وانتهج بعض علماء هذا العصر نهجاً صالحاً قويما فألفوا معاجم فيها لأساتذتهم الذين كانوا يبلغون في بعض الأحيان عدة آلاف؛ وإن هذه المعاجم لخليقة أن تعطينا فكرة حقيقة عن الحركة الفكرية والجهد العلمي في تلك الأيام، وترسم لنا صورا للتعليم ومناهجه في تلك العصور
ومن المؤرخين من أعجب بشخصية، فمضى يجمع أخبارها ويؤرخ لها، وكان صلاح أوفر