هذه الشخصيات حظا، كما ظفر نور الدين والظاهر بيبرس والمنصور قلاوون بعناية مؤرخي ذلك العصر، وبقي لنا من ذلك كتاب الروضتين
ولم يقف كثير عند حد الترجمة المفردة، بل مضى يؤرخ لطائفة معينة من الناس، كما جمع علي بن ظافر الأزدي أخبار الشجعان والمظفر بن قدامة مناقب الصالحين وأخبارهم، ومن أهم كتب التراجم النافعة الباقية لنا في ذلك العصر كتاب وفيات الأعيان الذي لا يكاد يستغني عنه باحث في عصرنا هذا، وكتاب معجم الأدباء لياقوت
ومضى بعضهم يؤرخ المكتبة العربية إلى ذلك العص، ولو أن هذه الكتب كلها بقيت لاستطعنا أن نرسم إلى مدى بعيد صورة قوية لسير الحركة العلمية في هذا العصر، وما سبقه من عصور، وقد ساهم الوزير القفطي بنصيب كبير في هذه الحركة، فوضع كتابا في أخبار المصنفين وما صنفوه، وآخر في أخبار النحاة، وبقي لنا إلى هذا اليوم من الكتب التي تؤرخ لبعض نواحي المكتبة العربية كتاب ابن أبي أصيبعة الذي دعاه عيون الأنباء في طبقات الأطباء
ومن أهم ما عني به المؤرخون في ذلك العصر تاريخ المدن، يذكرون فيه من دخل المدينة، أو سكنها من عظماء الرجال. وربما كان أضخم كتاب وضع في تاريخ مدينة في ذلك العصر هو تاريخ دمشق لابن عساكر ولا يزال موجودا في أكثر من أربعين مجلدا، كما أرخوا لمصر وكتبوا في خططها، وأرخوا لغير القاهرة كأسوان والفيوم والإسكندرية
وتنوعت الاتجاهات في كتابة التاريخ السياسي يومئذ، فمن الؤرخين من عني بتاريخ الوزراء كابن الصيرفي في كتابه الإشارة إلى من نال الوزارة، وعمارة اليمني في كتاب النكت العصرية، ولا يزال الكتابان باقيين. ومنهم من أرخ لمصر على ترتيب السنين ومنهم من أرخ للدولة الفاطمية أو الأيوبية، ومنهم من عني بباقي أجزاء العالم العربي فوضع القفطي تاريخا للمغرب وتاريخا لليمن
وكانت العناية بالتاريخ العام أكبر من العناية بالتاريخ الجزئي، وقد بقي لنا ستة كتب تمثل هذا الاتجاه منها كتاب الدولة المنقطعة للوزير جمال الدين الأزدي، وقد تضمن أخبار الدول الإسلامية وحوادثها وغزواتها وهو مرتب على السنين، ومنها كتاب تاريخ الزمان في تاريخ الأعيان ألفه سبط ابن الجوزي، وكتاب أبي شاكر بطرس المعروف بابن الراهب