على تقلبات الدهر، أو كما يصفه المؤلف نفسه:(عندما يتم امتزاج الرجل بالمرأة وهما في أشد أدوار النشوة ويحاولان أن يعبرا جسر الجسد إلى وحدة الروح، فإنهما لا بد واصلان إلى سخرية ما بعدها سخرية، ومهما أحاطا الحب من خيال وحرارة وإيمان وابتغاء الخلود بالذرية، فإن الإحساس الجسدي يظل كما هو، جسمان منفصلان كطائرين يحاولان التلاقي خلال (لوح) من زجاج!).
والخلاصةأن بطلي هذين النزاعيين النفسيين متشابهان كل التشابه، ينجل فريوز في السابعة عشرة من عمره، ولويس اليسون في الثلاثين، ولكن كليهما يبدو أكبر سناً من حقيقته، فنضجت في الحياة تجاربهما. وصورة الرسام الفنان تتشابه تماماً وصورة الضابط الشاب، فإنهما يمتازان بعمق الإرادة وانحصار قوة التفكير المحاط بتكتم يخضع المحيط بهما، ولوعة الذكرى التي تعذب ينجل وشعوره بالألم من مجرد مرور طيف كلير بمخيلته، وهو نفسه شعور اليسون عندما يلتقي بتلميذته جولي ويحبها. وقد يمتاز اليسون عن زميله بأنه رجل كثير التفكير، يسبح في آفاق عالية، فعندما يؤخذ إلى الأسر يفرح كالطفل ويقول، بأنه سوف يخلو إلى مطالعاته وتأملاته.
فحياة التأمل ما هي في نظره إلا التاج لآمال الرجال الذين فجعوا وهم في زهرة العمر.
أما كلير وجولي فإنهما تختلفان نوعاً، فبطلة (صورة في مرآة) بطيئة في فهم جموح عاطفة الطفل المعجب بها والذي يحبها حباً نادر المثال. لذا نراها مبتعدة عنه بل تكاد تكون سلبية، على حين أن جولي ضحية تنازع لعوامل مرتبكة، وهي لذلك كثيرة الاضطراب مبلبلة الفكر، وقد تجنب المؤلف أن يثير بشأنها مسألة الجنسيات، فهي إنجليزية ولكنها متزوجة من ألماني يدعى فون ناروتز، وشخصية هذا الضابط غريبة حقاً في الرواية، فالمؤلف يظهره أمامنا وقد عاد من الحرب مشوهاً مريضاً بالربو، يقاسي نوبات حادة من الألم، يقول عنه (إنه ترك مرتبة التفكير وصعد إلى أعلى من هذا واستقر، فها هو يعود إلى داره بآلامه التي لا تطاق، فيحاول أن يصبر كإله جبار).
ولكن البارون - رب القصر - وهو رجل موفور الصحة، لا يكتم رأيه العملي حيال فون ناروتز فيقول:(إن العالم كمزرعة لا يجب أن يتسامح المرء في الضعيف فها وإلا قل الإنتاج وحل الخراب، فالضعيف المريض يجب أن يمحى).