الإنساني يحاول أن يخترق الحجب وأن يمزق قناع الغيب.
فشارلس مورجان يطبق النظرية الفلسفية الحديثة القائمة على توحيد العقل الإنساني ويطبق أثر تصوفه في أخلاق أفراد قصته، فيقول على لسان أحدهم حين يتلو صلاته في تقوى وخشوع:(عندما كنت طفلاً أخذ الله بيدي، ولما كبرت هربت منه، وعندما احتجت إلى الراحة والسلام بحثت عنه وطفت المدينة بمصباح، ثم غمرتني المذلة وانحنيت إلى الأرض أبحث عنه في الأوكار وتحت صفحات الأزهار، ولكن لم أجد سلاماً ولا راحة، وصرت كطفل أو كعالم كبير ضل طريقه فلم أعد أعلم عمن أبحث، فرميت مصباحي ومفاتيحي وبكيت، ورأيت فجأة نوره يملأ قلبي، وعدت إلى المدينة فإذا النور لا يزال حيث هو، وإذا بي أمرح في سجن نفسي بينما الدنيا تتابع الطرق على بابي، ربي أعطني يدك عندما تدعوني إليك).
- ٢ -
نراه يصف الأسرى في المعتقلات الهولندية فيسهب في تسجيل حركاتهم وخواطرهم، عندما يتألم الطيار الذي اعتاد الجو فلا يستطيع الصبر على الأسر، يقول للويس اليسون المفكر الغارق في فلسفته: أتعلم أني حين أطير أصل إلى لحظات ينكشف لي فيها الغيب وأرى ما لا تراه العيون كما ترى أنت بالطبع حين تخلو إلى نفسك والى أفكارك، ثم أعود إلى الأرض. . . أعود آدمياً مع الأسف كما تعود أنت بعد خلوتك لتختلط بنا وتتكلم معنا.
وعندما يتقابل لويس اليسون مع جولي ناروتز - وهي سيدة شابة إنجليزية متزوجة من ألماني لا تحبه - يعرف أنها كانت تلميذته القديمة وهو في لندن فتأخذ الذكريات تتفتح في قلبه شيئاً فشيئاً كما تتفتح الزهرة في أشعة الشمس وتحاوره قائلة:
- أستاذي. . . كيف تراني الآن؟ هل تغيرت؟
فيجيبها وهو شارد في تأملاته:
- معاذ الله. . لقد صرت كشبح جميل قام من هذه البحيرة.
فتلذعه بقولها:
- إذاً وداعاً للحم والدم!
تتحول صداقة لويس وجولي إلى حب، هو في نظرهما وسيلة للبحث عن توازن يتغلب