للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

رجل الدين التبتل والبعد عن رغائب الحياة وأن واجبه الأول هو الدعوة لدين الله وتعليم الناس وهدايتهم. وهذا الواجب مما لا يتخلى عنه رجل الدين الحق، مهما لقي في سبيله.

وفريق يرى أن رجل الدين إنسان يجب أن يعيش كما يعيش الناس، وأن توفر له أسباب الحياة، لا نقول الحياة الميسورة الموفورة، ولكن الحياة المعقولة المقبولة. وتوفير الأسباب لهذه الحياة سبب أو شرط لابد منه لتمكينه من أداء واجبه في الهداية والدعوة.

ولست الآن بسبيل التفنيد أو التأييد لأحد هذين الرأيين، أو كليهما، أو التوفيق والتأليف بينهما. بل أريد أن أعالج الأمر بما هو أعم وأشمل.

مهمة الأزهر، أو المفروض إنه مهمته، هي القيام بالرعاية على كل ما يتصل بالدين والعقيدة واللغة، ووسيلته إلى ذلك هي معرفة نوع معين من الثقافة هو الثقافة الإسلامية. وهذا النوع من الثقافة أو المعرفة إن لم يكن أهم الأسس التي تقوم عليها الحياة المصرية، فهو من أقوى أسسها، لأنه أحد مقوماتها الأصيلة، أو يجب أن يكون كذلك.

ومصر من أهدافها أن تمكن علاقاتها الثقافية وأن تمد نفوذها الأدبي في مجالين، الأول تلك البلاد العربية التي تربطنا بها جماعة الدول العربية أو وشائج الدين واللغة، والثاني مجال القارة الأفريقية أو مناطق خاصة فيها تحتاج لثقافة مصر ومعرفتها ونشاط أبنائها. وقد كان لرفعة رئيس الحكومة في هذا الشأن حديث أذيع منذ شهور وظل إلى عهد قريب موضع تعليقات الصحف في العالم.

هذه الأهداف الثقافية، أو ما هو أبعد مدى منها، لا يمكن أن يتحقق إلا على الأساس الأول من أسس حياتنا المشتركة مع هذه البلاد العربية وأهم مقوماتها، وهو الدين واللغة، ولا يمكن أن يأخذ سبيله إلى المجال الآخر إلا على أساس من ثقافتنا ولغتنا لكي تقوم بيننا وبين هذه البلاد علائق موثقة يمكن أن يكون لها دوام ورسوخ ونمو.

وهناك زعامة مصر على البلاد الإسلامية أو العربية. وسواء أكانت هذه الزعامة قائمة فعلا ويراد الإبقاء عليها وتعزيزها، أو هي هدف يراد الوصول إليه، فإن من أهم أسانيد هذه الزعامة ومبرراتها الحرص على خصائص ما هو (إسلامي) و (عربي) من الثقافة والفهم والفكر.

فهل يراد من الأزهر أن يكون هو سبيل الوصول إلى هذه الأهداف. .؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>