واستمع إليه وهو يخاطب صديقه الذي أوفده كرسول إلى حبيبته (مي) فيقول له:
وأمض لفتاة الحي والليل داجي ... عساك من صرف المجادير ناجي
عني نيابة يا فتى، لا تحاجي ... قلها: ترى يا (مي) خلفت مجنون
وبعد أن يرحل ذلك الرسول ويقوم بمهمته أحسن قيام، يعود إلى الشاعر بأخبار سارة، ويوصيه بالسفر إلى لقاء معشوقته. . وهكذا يمضي على هذا المنوال فينسج رائعته الشعبية التي يصف فيها قصة غرامه، وكيف راح متلصصا (كضيف الطيف مسترصدا)، ليزور حبيبته في غفلة من عيون الوشاة وآذان الحساد، وفي حذر وخوف من أهلها ذوي البأس والبطش. . وها هو الآن يلتقي بها في سكون الليل الهادئ. فاسمعه يقول:
مديت كفي حدر طي المبرم ... قالت: تهدى، قلت: أنا بك مغرم
من للوصل يا زينة العين حرم؟ ... والوصل مردين الهوى بيه يحيون
فتخاطبه:
خلي الترومه وانثنى اللثم ثغري ... وأنشق عبير حقاق غاص بصدري
لا تكثرن ضمي فأعوام عمري ... عشر وأربع ما عليها يزيدون
بكر بعد ما لوث الثوب نهدي ... ولا انقطف ورد زها فوق خدي
غيرك فما حصل سوى طول صدي ... ولا هلي بي بعض ريبه يظنون
وبعد أن يتزود من معبودته يودعها على مضض، فيقول:
ودعتها والدمع عاالخد سايل ... والجسم من عظم النوى بات ناحل
قالت: بنا لا تقطعون إرسايل، ... ناديتها: وانتوبنا لا تقطعون
وراح ابن الخلفة يبزغ نجمه رويداً رويداً، فاندفع يغشى مجالس العلم ونوادي الأدب، ويتصدر الحفلات والولائم، فذاع صيته وشاع، حتى تتلمذ له كثيرون، ساروا على منواله متلمسين خطاه. . وقد تأثر بشعر شعراء الموشحات في الأندلس والعراق، فأخذ يعب من رحيق ينابيعهم، ويقلد فنونهم في صياغة الموشحات ولكنه، وفي الأخير، برع في صياغة نوع آخر يسمى (البند) وأول من اخترع هذا النوع هم أهالي (الحويزة) وهو منوال غريب قد يخرج على أوزان الشعر، وقد يوافقها. ولا نخطئ إذا قلنا إنه قريب الشبه من النثر المسجع، أو الشعر المرسل؛ إلا أن الناظم لهذا اللون كان جل اعتماده على اللحن