أعزز علي بأن أراك يا معقل العلم والثقافة ويا منيع المدنية طريحا مجندلا تحت احتكام الأهواء. واختلاف النزعات والآراء وأنت أسوأ حالا مما قيل فيه:
لقد هزات حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى سامها كل مفلس
أعزز علي بأن أرى أعداء الدين وخصوم الإسلام من المستعمرين الذين ما فتئوا يحاربونك بكل وسيلة في السر والعلن لأنه لا طيب لحياتهم وأنت في مصر تبث تعاليم الإسلام وكلها حرية وإباء، وعزيمة ومضاء، وجهاد للأعداء، وقوة وفتاء، يأبى القليل منها أن يمكن لجبار في الأرض أو يفتح لمستعمر قيد فتر. فالآن إذ أرى هؤلاء يشمتون ويفرحون ويرتقبون ما كنوا يأملون بأيدينا لا بأيديهم. لقد أفلحت سياستهم بعد أن مكنوا المدنية، الخلاعة والدعارة والخنوثة وفككوا قيود الدين حتى هان فهان معه منبعه ومستقاه وهو الأزهر الكريم.
لقد جاء الوقت الذي تغلق فيه أبواب الأزهر باليوم واليومين والأسبوع والأسبوعين والشهر والشهرين فما يحس أحد ولا يحرك ساكنا
إن أخوف ما أخاف أن تكون فتنة محبوكة ومؤامرة مقصودة يراد بها هدم الدين ونقض دعائم المسلمين فتتفرق كلمتهم وتتمكن الأيدي الغاصبة منهم في جو صفاء كما ضاعت خلافة الإسلام من قبل فكانت مبدأ ضعف في الجملة. وإذن يضحي الشرق والمسلمون بأشمط عنوان السجود به، ويفقدوا حمامة السلام وعنوان الوئام، ومبلغ رسالات الله إلى جميع الأنام، ويهون الشرق والمسلمون على الله فما يبالي في أي واد أهلكهم
أخوف ما أخاف أن تكون مؤامرة مدبرة يفعلها عدو مختبئ ويسلك إليها سبله، وأولها إيقاع البأس بيننا بأيدينا. فسياسة التفريق هي السياسة التي يعتمد عليها مهرة الساسة؛ والعدو الكاشح فينا ما أوجف عليها من خيل ولا ركاب. ولما بلغ معاوية أن الأشتر النخعي مات في شربة عسل وكان من شيعة علي قال معاوية إن لله جنودا منها العسل، فسيقول خصمنا (إن دامت الحال) إن لنا جنودا منها الفشل. لقد عرف العدو كيف يحقن خصمه بالمصل المخدر الذي يسهل به ارتكاب أكبر جريمة على الله والدين والوطن فما يفيق الناس إلا وقد وقعت الجريمة ونفذ السهم وإلا فما بال هذا الأزهر الكريم الذي كان ملاذ اللائذ ومعاذ العائذ ومفزع الملهوف ونصفة المظلوم، والذي كان قوام كل مائل وقصد كل جائز. والذي كان أعز على كل نفس مؤمنة من كل عزيز عندها قد أصبح يئن ويستغيث ولا مغيث. هذا