للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تفتحها حتى نضجها، وما تخللها من أطوار عجيبة وفروق متضاربة يستعرض رواية حاشدة لغرائب الأحداث

لقد قرأت فيما مضى مذكرات لجبار الأدب الغربي (أندريه جيد) فأخذت بما فيها من قول صراح ولم يسلم فنه على روعته من تبرمي ولومي، إذ كان الكاتب المبدع يجور في ذلك القول حتى على نفسه فرأيته من غلاة المصارحين، والغلو في كل أمر ثقيل ممقوت. ومن قبل قرأت اعترافات الشاعر الفريد دوموسيه ففيها قص علينا كيف تردى في حمأة الهوى وتصدي لداء العصر الذي استحكم في أبناء جيله بعد أن اجتاحت الغرب أعاصير الحرب، فراح (موسيه) يصف ذلك الداء العياء ويعترف بذنبه ومصابه، مصورا بدم قلبه عبرا لا بد أن يجد فيها كل فتى صورة لحادثة من حوادث حياته. غير أن (جان جاك روسو) كان أصدق رواية وأحسن تأويلا في اعترافاته، حتى قال ما معناه: لقد كشفت لك يا إلهي عن طويتي كما رأيتها، فلو اجتمع أمثالي وسمعوا اعترافي وكشفوا عن قلوبهم بمثل إخلاصي لما تجاسر أحدهم أن يقول: لقد كنت أحسن من هذا الرجل. . .

أما كتاب (حياتي) الذي هو قصة حياة إنسان جاء إلى الدنيا لينفع الناس ويعلمهم الأدب والأخلاق فلم يكن من قبيل الاعترافات ولا من طبقة المذكرات لأنه أجل منهما وأجمل، هو سيرة (أحمد أمين) بقلمه الحر وفنه الأصيل وصدقه المعهود. ولقد تحرج أستاذنا الكبير بادي الرأي من نشر هذا الكتاب، لأنه كان يرى نفسه فيه بمنزلة العارض والمعروض والواصف والموصوف فتمنى أن يرى نفسه بمرآة غيره محكوما عليه لا حكاما ومشهودا عليه لا شاهدا، فإن - والتواضع أجل صفات العلماء - جعله يرى نفسه غير جدير بتسجيل حياته إذ لم ير لها عظمة ولا زعامة ولا بطولة، فهو ليس بسياسي كبير أو مغامر خطير لكنه وجد وسيلة لتبرير صنعه في نشر الكتاب، وهي أن عصر الديمقراطية قد كاد يغرب وتعم العالم في الشرق والغرب فكرة ديمقراطية، قد كاد يغرب وتعم العالم في الشرق والغرب فكرة ديمقراطية، وعلى كل امرئ يؤثر الحرية والخير لقومه أن يسعى إلى نفعهم، وقد وجد الدكتور أحمد أمين أن في وسعه نفع أمته بنشر كتابه لنه يصور جانبا من جوانب جيله ويصف نمطا من أنماط الحياة في عصره ووطنه، ولعله يفيد اليوم قارئا ويعين غدا مؤرخا

<<  <  ج:
ص:  >  >>