وهنا ارتفع صوت زميله (سعد أفندي) الذي كان يسايره قائلا - ماذا جرى يا أخي؟ أنت بتربط (عفش)؟ وعاد إليه (حسن أفندي) وهو يتمتم بعبارات غير واضحة. . . وكان إذ ذاك يشعر بأن شيئا ثقيلا ينزاح عن كتفيه
وسارا من جديد، وجعلا يرددان في هذه المرة أحاديث تافهة كان (حسن أفندي) يخلقها خلقا حتى لا يترك لخياله فرصة يستعيد فيها صور ذلك الشيخ الهرم. . . الصورة التي سرعان ما تلاشت في أضواء الطريق الساطعة مثلما تتلاشى الظلال في الظهيرة
وفي مكان لا يكاد يتغير من مقهى (السعادة) جلسا بعد أن انضم إليهما آخرون من مدرسي مدرسة النجاح الثانوية. . . ودار بينهم الحديث المعتاد. . . الحديث الذي يضج بالشكوى ويطفح بالألم. . . كلهم منسيون. . . وكلهم ينشد الدرجة الرابعة أو الخامسة. . . وكلهم يعاني ضيقا ماليا. وكان الحديث يتنقل بين الشفاه متثاقلا مترنحا أشبه براقصة مخمورة تنتقل بين الموائد وهي تهذي بنكات قديمة لا روح فيها ولا حياة!
ومضت لحظات كانت بعدها سحب الدخان المنبعثة من سجائرهم قد انعقدت فوقهم، وكان البخار المتصاعد من أقداح الشاي قد اختلط بتلك السحب فأشاع كل ذلك جوا من الانقباض بدا أثره وجوما على بعض الشفاه وتبلدا على بعض الوجوه وشرودا في بعض النظرات. . .
ويبدو أن (حسن أفندي) قد ضاق بهذا الجو العامر بالركود فهمس في أذن صديقه. . .
- أريد أن ألاعبك الشطرنج. . ولكن صديقه رد عليه في استخفاف
- ولكني أغلبك دائما. . فعقب (حسن أفندي) في تحد. .
- سأغلبك أنا هذه المرة. .
وابتدأ اللعب بحماس م جانب حسن أفندي وفتور من جانب صديقه. . وسرعان ما ضاق هو بفتور صاحبه فقال له
- ما هكذا يكون اللعب. . أقترح أن يكون هناك رهان حتى يكون للعب روح. . وهنا ضحك سعد أفندي قائلا. .