القصصي في العرض والعقد والحل، وبذلك تخرج منها أرجوزة (دول العرب) لشوقي. والمطولات التي سماها الأستاذ صادق ملاحم قد خلت من عنصر الحكاية وهو الشرط الأساسي لوجود الملحمة؛ وزخرت بمعاني الشعر الوجداني من حماسة وفخر ومدح ورثاء ووصف وشكوى. وما أسعد المجمع يوم يقدم ويكرم ويجيز الشاعر الموهوب الذي يكمل نقص الشعر العربي في القصص، كما كمل شوقي نقصه في التمثيل. وفي أحداث الفتوح الإسلامية والحروب الصليبية والمعارك الفلسطينية مواقف للبطولة والمروءة والتضحية تنتظر الشاعر العبقري ليجعل منها موضوعا لملحمة العرب
وأما الأستاذ فريد عين شوكة فقد ولد في منوف ثم تخرج في دار العلوم سنة ١٩٣٦، وزاول تعليم اللغة في مدارس الدولة. وأبناء دار العلوم وإخوانهم أبناء الأزهر هم جنود العربية وحماتها إما بالطبع وأما بالصنعة، فالمصنوعون يخدمون فقهها ونحوها وصرفها وبلاغتها بالبحث والنقد والشرح والتعليم؛ والمطبوعون يمارسون فوق ذلك تنمية أدبها بالكتابة، وتجديد بيانها بالشعر. ومن هذا الفريق الأستاذ فريد. قال الشعر في سن باكرة، ووجد من طبيعة نفسه ومن طبيعة درسه ما يعين عليه فصاغه صياغة حسنة جرى عليها رونق الطبع فهي سلسة، وأثرت فيها صنعة المعلم فهي صحيحة، وأن فعلت مشاعره وخواطره بالنفس والبيئة والطبيعة والمهنة والعقيدة، فتغنى بالشباب والحب، ونظم في التعليم والمدرسة، وأشاد بالنيل والريف، وقال في الإسلام والعروبة. وقد تميز على صاحبيه بمعالجة الشعر التمثيلي وهو أكمل أنواع الشعر الثلاثة، لأنه جماعها بما يشتمل عليه من حرارة الوجدان في وصف المواقف، وجاذبية القصص في سرد الحوادث، وبراعة الحوار في تمثيل الوقائع
هذان الشاعران اللذان جاءا في الحلبة مصليين يجريان في عنان، لانفراد كل منهما بمزية، كانا لقربهما من السابق وبعدهما عن المتخلف موضع تقدير المجمع فدبر لهما جائزة أخرى كالأولى وقسمها بينهما بالسوية
إن المجمع كما ترون يولي شرف السبق في مضمار الشعر من امتاز ببلاغة الأسلوب في جمال صورته وصحة فكرته وشدة أسره؛ ثم لا يغفل بعد ذلك المعنى المبتكر ولا الفن المستحدث ولا الخيال المستطرف ولا الغرض السامي. والشعر على هذا النحو من أرفع