الشاعر عن نفسه، على حديثه عن غيره، فقل في السياسة والوطنية والاجتماع، وكثر في الحب والشوق والحنين والذكرى والألم والحزن. وأفكاره وصوره وأخيلته في كل أولئك جيدة، ولكنها في الوصف والشكوى والرثاء أجود
ثم رأت اللجنة على مسافة قريبة من الشاعر المجلي شاعرين يعدوان جنبا إلى جنب وقد كادا يبلغان الأمد، أحدهما الأستاذ محمود محمد صادق صاحب (أدب الثورات القومية) والآخر الأستاذ فريد عين شوكة صاحب (وحي الشباب)؛ فالشاعر محمود صادق ولد بالقاهرة في العام الأول من هذا القرن، ثم تخرج في مدرسة الحقوق سنة ١٩٢٤ وكان من الطلاب الأولين الذين أوضعوا خلال الثورة المصرية المباركة، يؤرثون نارها بالخطب، ويسعرون أوارها بالشعر، ويرفعون صوتها بالتظاهر. فنظم فيها ديوانا نشره في سنة ١٩٢٣. وكان وهو في سن اليفاعة يقول الشعر من غير علم باوزانه، ولا معرفة بقواعده. وقد علل ذلك بعض من كتبوا عنه بخلوص العروبة في دمه، لأن والديه نسبا في بني العباس. وبهذه الروح الثورية المشبوبة نظم النشيد الوطني سنة ١٩٣٦ ونال عليه الجائزة الأولى. ثم أتجه شعوره إلى العروبة والإسلام حين تجددت في فلسطين مأساة الأندلس، فوضع للعرب نشيدا ونظم في كارثتهم مطولة. ولم نكد نقرأ له في خير الأحداث المصرية والعربية شيئا. الشاعر قوي الشاعرية عصبي الأسلوب حماسي العاطفة نبيل الغرض؛ ولكن قيثارته كربابة الشاعر الشعبي ترسل الأنغام من وتر واحد، وذلك ما بطأ به عن الغاية، والأستاذ صادق يسمي قصائده المطولات التي قالها في الثورة المصرية وفي الكارثة الفلسطينية ملاحم. وهذه التسمية من الوجهة الفنية خطأ؛ لأن القصيدة لا يكفيها أن تكون حماسية الموضوع ضافية الطول لتكون ملحمة، إنما الملحمة مصطلح وضع في الأدب الحديث ليقابل لفظ (ايوبيه) في الأدب الأوربي. وهي بهذا المعنى لا بد أن تكون قصة، أما طبيعية تكونت على طول الزمن مما تنوقل وتوورث من الأقاصيص والأغاني حتى تنتهي إلى شاعر سمح القريحة طويل النفس فينظمها كما فعل هوميروس في الألياذة؛ وإما صناعية تنشأ من عمل فرد واحد يخلق مادتها ويصنع صورتها كما فعل الفردوسي في الشاهنامة. وقصة الملحمة لا بد أن تنتزع من حياة شعب بأسره، لا من حياة شخص بعينه، وبذلك تخرج من الملاحم القصيدة العمرية لحافظ. ولا بد أن تقوم على قواعد الفن