للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والمهلهل، والمعنى المسروق والمطروق، والمطلع الجيد والردئ، والتخلص الحسن والقبيح. وعذرهم في ذلك أن الشعراء لأسباب فطرية واجتماعية لم يقدموا إليهم إلا نوعا واحدا من الشعر هو ما يتصل بالوجدان والعاطفة؛ فكان النقاد أمام وحدة الشعر العربي ونقصه، مسوقين إلى أن يقصروا جهودهم على لفظه. فلو أن الشعراء ألهموا أن ينظموا في القصص الحكائي والتمثيلي، لا اختلفوا في الموضوع وما يصدر عنه من أغراض، وفي الينبوع وما يؤدي إليه من مسالك؛ كما اختلف فيهما الشعراء الفرنسيون فظهر في أدبهم الاتباعية والإبداعية والواقعية والرمزية وغيرها من المذاهب المقبولة والمرذولة. ولم يسمع التاريخ فيما سمع أن العرب اختلفوا يوم تركوا علبة الخشب إلى زرق الجلد وكوز الفخار وقدح الزجاج وجام الفضة، لأن الموضوع وهو الماء أو اللبن لم يتغير بتغير الآنية؛ ولكنه سمع أن الخلاف حدث وأن الرأي تشعب حين تغير الشراب من اللبن إلى الخمر. فالقول بأن في الشعر العربي قديما وجديدا وهو لا يزال واحدا في لغته وطريقته ونوعه ووزنه قول مدفوع بالواقع. ولقد صدق شوقي إذ يقول

ما فيه عصري ولا دارس ... الدهر عمر للقريض الأصيل

على هذا الوجه أيها السادة نظرت لجنة الأدب بالمجمع في أشعار الثلاثة السابقين فرأت الشاعر كمالا النجمي صاحب الأنداء المحترقة يأتي في الحلبة مجليا لفخامة ألفاظه ورصانة أسلوبه ومتانة قوافيه ووضوح معانيه وقلة سقطه وندرة خطأه، وهي الصفات الفنية الجوهرية التي يطمع المجتمع في أن تشيع في شعر الشباب. لذلك خصه بالجائزة الأولى. والأستاذ النجمي يقول أنه من قبيلة أولاد نجم من عرب الصعيد، وإن أباه كان من رجال الدين واللغة والشعر فوجهه هذا التوجيه الأدبي الخالص. وأبى عليه أن يستقي ثقافته الأدبية من غير مشاعرها الصافية الأولى، فحفظ القرآن الكريم، وقرأ كتابي الأغاني والعقد الفريد، ودرس ديواني البحتري والمتنبي. وفي هذه البيئة وتلك النشأة نجد تعليل الجزالة والسلامة اللتين تميز بهما شعره على الرغم من وقوفه في الدراسة عند حدود المرحلة الثانوية. وقد اخذ ينظم ديوانه المجاز وهو في الثامنة عشرة من عمره، ثم أتمه وقد نيف على الثامنة والعشرين. وشعر الديوان وجداني محض، استمده الشاعر من طبعه، ونقله عن قلبه، وعبر به عن شعوره، فليس للقصص والتمثيل منه نصيب. وقد طفى فيه حديث

<<  <  ج:
ص:  >  >>