وقد وردت أحاديث كثيرة تبشرهم بفتح القسطنطينية منها قوله عليه الصلاة والسلام (لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش) الأمر الذي زادهم تعلقا وأملا في فتح هذه المدينة. وقد حاول المسلمون فتحها منذ أيام الخليفة عثمان بن عفان واستشهد تحت أسوارها الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري في عهد معاوية بن أبي سفيان. وهكذا أصبحت القسطنطينية - إلى جانب أهميتها الإستراتيجية والاقتصادية - أهمية دينية خاصة في نظر العثمانيين الذين حملوا لواء الإسلام والجهاد في سبيله بعد استقرار دولتهم الجديدة في آسيا الصغرى في بداية القرن الرابع عشر الميلادي. وقد أدرك عثمان أول سلاطين الدولة العثمانية - كغيره من الفاتحين قبله وبعده - قيمت هذه المدينة وعظم قدرها ولكنه لم يكن إذ ذاك قد بلغ من القسوة ما يقدر به على فتحها فأوصى بذلك من يأتي بعده. وقد حاصرها السلطان بايزيد الأول والسلطان مراد الثاني ولكنهما لم يصلا إلى فتحها حتى جاء السلطان محمد الفاتح فاستطاع - بما أظهره من أحكام القيادة وحسن التنظيم وسرعة الخاطر وقوة العزيمة وقوة المصابرة والجلد والتفنن في ابتداع آلات الحصار والقتال - أن يصل إلى فتح هذه المدينة، وحقق بذلك حلم الفاتحين منذ ألف عام كما حقق البشارة النبوية الكريمة بفتح القسطنطينية
وقد أوصى السلطان الفاتح جنوده عند دخولهم هذه المدينة بإتباع تعاليم الشرع الحنيف فلا يقاتلون إلا من قاتلهم ولا يعرضون للنساء والأطفال والعجزة بسوء أو أذى؛ ويحسنون من يقع في أيديهم من الأسرى وأن يكونوا أهلا للشرف العظيم الذي حباهم به الرسول (ص) في حديثه.
وباستيلاء المسلمين على القسطنطينية قضى على ما كان يستحر فيها من المنازعات والمشاحنات الدينية التي طالما أثارت الفتنة وأراقت الدماء؛ وحرم السلطان الفاتح اضطهاد النصارى تحريما قاطعا ولم يميز في تسامحه ومعاملته بين أحد منهم على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم بل جعلهم كلهم سواء وأضلهم جميعا بعدله ورعايته. وقد طلب إليه بعض الجهلة المتعصبين قتل الروم وإبادتهم وإذا لم يدخلوا في الإسلام فأبى عليهم ذلك وقال أنه يخالف تعاليم القرآن وأذن للروم بانتخاب بطريركهم الجديد بنفس المراسم الفخمة التي كانت تتبع في عهد الأباطرة الأول. وقد أحتفي به السلطان الفاتح وأعظم لقياه وبالغ في تكريمه. ولكن