مؤرخا إنجليزيا اللورد إيفرسلي قد استنتج من هذا التسامح أنه دليل على أن العثمانيين في فتوحاتهم بأوربا لم يكونوا يقصدون إلى نشر الإسلام. وهو استنتاج خبيث المرمى والغرض إذ معناه أن الإسلام قبل ذلك لم ينتشر بالتسامح والاختيار، وإنما نشر بالسيف والإكراه ولو أن هذا اللورد الإنجليزي قد شدا شيئا في تاريخ الإسلام لعلم أن هذا الدين في مختلف عصوره وعهوده لم يفرض قط على أحد من الناس. ويقول السير توماس أرنولد إن مدينة القسطنطينية بعد الفتح العثماني الإسلامي أصبحت ملجأ العالم كله، يأمن فيه الخائف والمذعور ويطمئن فيه المضطهد والمظلوم وينال في جميع الناس العدل والمساواة والحرية على قدر سواء لا تميز بين غني وفقير ولا بين عظيم وحقير. فكان فتح القسطنطينية بحق مفخرة من مفاخر الإسلام التي ترهى بها التاريخ ومجدا من أمجاده الخالدة الباقية على الدهر
لقد كان لسقوط القسطنطينية في يد الأتراك العثمانيين (في العشرين من جمادي الأولى سنة ٨٥٧هـ ٢٩ مايو ١٤٥٣) دوي عظيم في العالم ولكن اختلف وقعه وأثره في الغرب عن وقعه وأثره في الشرق. أما النصارى في الغرب فقد صعقهم نبأ هذا الحادث وتملكهم الفزع والألم والخزي وتجسم لهم خطر المسلمين وتهديدهم لأوربا النصرانية وتوجوا أن يكون انتصار محمد الفاتح بداية لتوغله في أوربا فأخذوا يتتبعون خطواته وحركاته بقلق واهتمام وعظمت في أعينهم أهمية القسطنطينية وخطورة قيمتها. وأزداد الأتراك العثمانيون شهرة في الناحية العسكرية بعد استيلائهم على هذه المدينة المنيعة الخالدة. وقال حاكم مدينة غلطه في رسالة كتبها بعد فتح القسطنطينية بنحو شهر إن السلطان محمد الفاتح، يهدف إلى أن يكون سيد العالم وأنه قبل أن تمضي سنتان سيزحف إلى روما. وعبر كتاب معاصرون آخرون عن مثل هذا الفزع. وخطب إينياس سلفيوس (الذي صار فيما بعد بابا باسم بي ٢) أمام ندوة فرانكفورت يقول: إن سقوط القسطنطينية قد جعل المجر مفتوحة أمام محمد الفاتح وإذا ما خضعت له هذه البلدة انفتحت له الطريق لغزو إيطاليا وألمانيا. وبعث أحد شعراء النصرانية في الشرق بقصيدة طويلة إلى العالم النصراني يهيب به إلى قتال الأتراك وحث البابا نيقولا الخامس أن يعمل على توحيد كلمة أمراء النصرانية وتوجيه جميع جهودهم وقواهم لقتال العدو المشترك ثم ابتهل الشاعر إلى العذراء، ودعا أن يكتب