فأما إذا استعمل ضر فعلا لازما فهو حينئذ بمعنى صار ضريرا، أي عمى، فتعين أن يكون وزنه فعل بكسر العين في الماضي لأنه وزن أفعال العاهات والأحزان ونحوها. فقياس مضارعه أن يكون مفتوح العين، فيقال يضر بفتح الضاد، كما يقال عمى بعمى وشلل يشل (واعلم أني لم أعثر على مضارع ضر في كلامهم إلا في قول بشار:
إذا ذكر الحباب بها أضرت ... بها عين تضر على الحباب
وقد وجدته في نسخة ديوان بشار غير مضبوط فضبطته بفتحة على الضاد، ولم أعثر أيضاً على من ذكره أو ذكر زنة ماضيه من أصحاب كتب اللغة المعروفة لنا، مثل الأساس والصحاح واللسان والقاموس والتاج والمخصص لابن سيده وإصلاح المنطق ومفردات الراغب والمشارق لعياض والنهاية لابن الأثير
وإذا لم يذكروا فيه أنه جاء على خلاف القياس فهو محمول على القياس في الماضي والمضارع، وقد دل على ذلك أيضاً مصدره، فإنهم قالوا في مصدره الضرر بدون إدغام لأنه جاء على مثال فعل؛ وكل ما كان من الأسماء مضاعف المثلين على هذا المثال وشبهه، فإنه يتعين فيه الفك ولا يجوز الإدغام. وعللوه بالخفة الحاصلة بالفتح مثل: طلل، ولبب، وجلل. وأنا أرى أن علة الفك فيه التفرقة بين الفعل والاسم في الأكثر، ثم طرد الباب على وتيرة واحدة. فإذا قالوا في المصدر ضرر علمنا أن الماضي بوزن فعل بكسر العين، وأن المضارع بوزن يفعل بفتح العين. ومن أجل ذلك لا يطلق الضرر بالفك إلا على ما كان من الأضرار عاهة. فالعمى ضرر والزمانة ضرر. قال تعالى: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) أي العمى والزمانة. وقد فسر المفسرون الآية بذلك، فلا يشمل من أصيب بضر في ماله أو في أهله. وفي صحيح البخاري عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها علي فقال يا رسول الله، والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان أعمى فأنزل الله على رسوله (غير أولي الضرر) اهـ
ولم يستعمل الضرر في غير ما هو من العاهات فيما بلغنا من كلام العرب ولا رأينا من صرح به من الأئمة المروى عنهم. ولكن وقع في كتاب الأقضية من الموطأ عن يحيى