الذي تكونت منه فصول الكتاب، وكنت أود أن يكون غيري هو الذي يكتب عنه، لذلك سأتناول الكتاب الثاني بشيء من العرض والتعريف وتسجيل بعض الملاحظات بقدر ما تسمح به صفحات الرسالة.
(شاعر العقيدة) _كما أراد أن يسميه الكاتب_هو السيد إسماعيل بن محمد الحميري وقد أدرك أواخر العصر الأموي وعاش بقية حياته في ظلال العصر العباسي حيث تتصارع الأفكار السياسية والعقائد الدينية وتتشعب الدروب بسالكيها شعبا متعددة، فهناك بقايا الخوارج الذائبين، وشيعة تجمعهم هذه الكلمة في معناها المادي وتفترق بهم مناحي التشيع في مسالك شتى. وهناك طائفة السنة التي كانت تسيطر على السياسة والحكم، وفي هذا المظطرب الواسع كان السيد الحميري بصطرع مع السياسة والعقائد حتى استقر به المطاف على مذهب التشيع السائد الآن في العراق. وكان تأثير السياسة والعقائد واضحا في شعره وبخاصة الظاهرة الأساسية من ظواهر التشيع وهي (الإمانة) فقد كان بلح بشعره على حديث البيعة وقصة (غديرخم) التي كانت بعد حجة الوداع كم ترويها الكتب التي أوصلها المؤلف إلى ثلثمائة، ومعظمها_كما يقرر_مروى عن طريق السنة.
وقد أراد المؤلف الفاضل أن يلم بدراسة هذا الشاعر ويستخرج من المصادر المتفرقة صورة تطمئن إليها النفس عن نسبه وحياته العقلية والمادية والأدبية والدينية، وقسم الكاتب إلى قسمين: أولها: في نشأة الذي بصور هذه العقيدة، وثانيها: دراسة هذا الشعر على ضوء النقد والتحليل، وقد وفق الكاتب في القسم الأول حين عرض لنشأة الشاعر في البصرة وتطوره من خارجي_ورث ذلك عن أبويه_إلى شيعي كيساني فجعفري. وصراعه مع أبويه اللذين ينكر عليهما بغضهما الإمام عليا وينكران عليه تشيعه، كما أن وصف البصرة وما فيها من حلقات علمية ودينية واختلاف السيد الحميري إلى هذه الحلقات التي انتهى منها بالتشيع، وتحدث عن صلته ببقايا الأمويين ثم العباسيين. وقد كان في كل ذلك يقارن ويوازن ويدرس الروايات المتناثرة ثم ينتهي منها إلى رأي أو حكم لا يخلوان من أصالة في معظم الأحيان. ولكن الذي يؤاخذ عليه الكاتب الفاضل أنه وزع البحث توزيعا يكاد يضطرب على القارئ فهو لم يعقد فصلا خاصا عن اثر العقيدة في الشعر الحميري بل نثر هذه الظاهرة البارزة في أماكن مختلفة لو أنيح لها أن تلتقي في مكان واحد لكانت فصلا