السياسة (الميكيافيلية) لأن العباسيين لم يكونوا بأقل (ميكيافيلية) من الأمويين؛ ومع ذلك فإن الشاعر وقف يمدحهم ويؤيدهم. وقد أشار الكاتب الفاضل إلى هذه النقطة الأخيرة متفقا مع الدكتور طه حسين في حديث الأربعاء في مدح السيد الحميري للعباسيين وأنه لم يكن عن تقية:(لأنهم من بني هاشم وبنو هاشم بالنسبة إليه على حد سواء).
أما دراسة هذا الشعر من حيث قيمته الفنية ومقدار استجابته للصدق في التعبير والشعور فقد كان الكاتب موفقا إلى حد كبير فيها، وقد تعرض لمقدار الثروة الشعرية التي خلفها، واضطراب الرواة في تقدير هذه الثروة، وأشار إلى آراء النقاد الأقدمين في قيمة هذا الشعر، وأضاف إليها شيئا من آراء المحدثين_وقد أعجبتني من الكاتب لفتته البارعة إلى شعر الحميري بقوله:
(فبعضه يرتفع بصاحبه إلى القمة وبعضه الأخر يهبط به إلى الحضيض، ووسط بين هذا وذاك.) كما أنه أشار إلى أن بعض هذا الشعر يكاد يدس على الشاعر وينسب إليه نسبة لا تليق بذلك العصر. هذه لفتة بارعة_كما قلت_وقد عرض عليها بعض القصائد المدسوسة، أو التي أنحط بها الشاعر، ولكنه نسى أن يعرض عليها قصيدته المشهورة التي شغلت شيئا من جهد الكاتب في معرض الحديث وهي:
لأم عمرو باللوى مربع ... طامسة أعلامها بلقع
أني أشك في كثير من أبيات هذه القصيدة لا لفكرتها وموضوعها ولكن لموسيقاها اللفظية وانسجامها مع ذلك العصر الذي اشتهر بجودة الاختيار وحسن الإيقاع، فقوله:
فعنها قام النبي الذي ... كان بما يؤمر به يصدع
يخطب مأمورا وفي كفه ... كف على ظاهرا تلمع
رافعها، أكرم بكف الذي ... يرفع والكف (الذي) يرفع
إنها فكرة السيد الحميري التي يرددها في معظم قصائده ولكنها ليست موسيقاه ولا ألفاظه بغض النظر عما في بعض أبياتها من اضطراب في النحو واللغة.
وقد كنت أود ألا يقتحم الكاتب باب الغزل والنسيب وما يتصل بالمرأة في هذا الكتاب لأن العنوان لا يتحمل أن يندرج فيه ما ليس منه.
أما أسلوب الكتاب فيبدو قصصيا في بعض الصفحات وبخاصة في حديثه عن نشأة الشاعر