وانتقلنا فعلاً إلى بونتورسن ثم إلى جبل سان ميشيل. ولما كنت قد رحت ربحاً عظيماً في بانيول دولورن اعتزمت سكنى الجبل نفسه برغم ارتفاع أجره، وعلى الامتناع عن العمل مدة يومين، زرنا خلالها آثار المكان التاريخية، وأكلنا (عجة الأم بولارد) وتأملنا ملياً في مد البحر وجزره أثناء النهار والليل. وبعد هذين اليومين حملت آلتي وابتدأت أصور الإنجليز الذين يريدون أن يحتفظوا بصور تذكارية لمرورهم بجبل سان ميشيل.
ففي اليوم الأول كان كل شئ على خير ما يرام، فصورت عشر صور في مقابل مائة فرنك. وفي اليوم الثاني انتابت فتاتي أزمة عصبية فتركتني بقسوة وحيداً ابتداء من الظهر، فكنت مضطراً إلى أسرع في عملي دون احتياط كي أستطيع إنجازه، على أنني لم أحاول أن أغضب، بل كنت أتابع بنظراتي من قمة الجبل وجه صديقتي الرقيقة التي كانت تهدئ من حسرتها بالتطلع إلى الأماكن الرملية العارية في ذلك الإقليم الرائع.
كنت أقول لنفسي:
- آه! ليس لك هنا غابة تختفين فيها. إنك مرغمة على أن تحومي حول ناظري كسمكة في إناء زجاجي.
وكنت أفكر أيضاً في شراء منظار مقرب لأرى من بعيد ما الذي تفعله امرأة غضبى وهي وحيدة في صحراء واسعة.
ولكن في اليوم الرابع من وصولنا عندما غضبت صديقتي للمرة الثانية وابتعدت عن الجبل إلى أبعد مما تبصره عيناي لفت نظري راهب كان يهتم بسعادتي المنزلية إلى الرمل المتحرك المشهور به ذلك الإقليم، والذي تتعرض لخطره فتاتي إذا داومت على نزهاتها الخالية من التبصر حول الجبل أثناء المد والجزر.
لقد ملأني هذا التحذير رعباً وفزعاً، ففي اليوم الثاني تركت الجبل وذهبنا إلى سان مالو حيث لا توجد لا غابة ولا رمل متحرك، بل ساحل عظيم أو بالحري ساحلان أو ثلاثة تمتد من بارانيه إلى دينار، وتجمع من الناس أغربهم طباعاً، فهناك ينتقل المرء من مكان إلى آخر لأتفه الأسباب، فليس هناك غرض يدفعه إلى هذا التنقل إلا إفهام الذين يبقون في أماكنهم أن من يغادر بلده بعد ثلاثة أيام فإنما يكون ذلك لأنه غني يسعى وراء التغير